س :    ألا ترين أن الحواجز بالنسبة لرجل 2 مبالغ فيها ؟

إن في مجتمعاتنا الكثير ممن لا يؤمنون بالحجاب ولكن عندهم  من الحواجز قيما عديدة كالعفاف والشرف  بالإضافة الى الوفاء والاحساس بقبح الخطيئة.

م :  ها أنت تقولينها ... مجتمعاتنا ... التي لن تجدي  لهذه القيم فيها مصدرا غير الدين, يعني أن الدين هو من جعلها قيمة اجتماعية يؤمن بها الناس .. فيمكن أن نجد عددا هائلا في مجتمعاتنا غير متقيد بتعاليم الدين وأوامره ولكنه لا يقبل أن تختلط زوجته بالرجال كما تفعل المرأة في الغرب, وبهذا تكون الحواجز الاخرى عند رجل 2 مستقاة من الدين والتي هي بمثابة البعد الثاني للحجاب  ...

إن مشكلة العقلانية ـ التي لا تؤمن إلا بالعقل وترفض الثوابت المسبقة ـ هي أن العقل لا يتوقف إلا في العلوم التجريبية, وأما في سوى هذه العلوم فيمكنه أن يتعقل كل شيء شرط أن نقدم له الفلسفة المطلوبة, فتكون هذه الحواجز ذات فعالية كبرى في المجتمع الديني, ومن خلال هذا التفاوت بين المجتمع الديني والمنفتح في عدد الحواجز ننتهي الى نتيجة أكيدة وهي أن صفة كالخيانة الزوجية تمثل في المجتمع الديني واقعا منحرفا وأما في المجتمع المنفتح فتمثل واقعا مبررا أو مفروضا .

س :    في عالمنا العربي هناك اتجاه فكري يدعو الى حالة وسط ينبذ بها الخلاعة الغربية وما تجرّه من اضرار ويحرر المرأة من الحجاب الذي لا يظهر غير الوجه والكفين.. أي أن نصل الى سفور معتدل

م :  إن هذا الاتجاه الفكري هو الخط الداعي الى علمنة الاسلام وإخضاع عملية الاستنباط الفقهي المتقومة بفهم النص والتقيد بمدلولاته الى الآليات المعاصرة من مناهج حديثة في اللغة وأيديولوجيات معاصرة وعدم التقيد باللحظة التاريخية لعصر التشريع ..

ولاشك أن موضوعا كهذا يشغل أعلى المستويات الفكرية اليوم يضيق بمناقشته المقام, ولكني أشير الى نقطة مختصرة أصل من خلالها الى الرد على مانحن بصدده ..

إن الحجاب الشرعي يستتبع بعدا روحيا وأخلاقيا كما بينت سابقا, وإن الأخذ بحجم الحجاب كما هو منصوص عليه في الشريعة وبشكل ثابت يؤدي الى ثبات القيمة الاخلاقية التي يستتبعها, والتغيير في حجم الحجاب يؤدي الى تغيير القيمة الأخلاقية, بمعنى أننا حين نسمح بجعل ملاك جديد للتغيير في حجم الحجاب وهو عدم تقييد المرأة في نشاطاتها المختلفة يستتبع ذلك وضع تغيير في حجم الاختلاط بين المرأة والرجل وهذا يستتبع بدوره تغيير في المفاهيم الاخلاقية التي يدعو لها الحجاب, إن التزام المرأة بالحجاب والايمان به يدفعها الى الالتزام ببعده الروحي الاخلاقي كتابع له بينما يحثها السفور الى السلوك السلبي كناتج عنه .

إننا هنا إزاء نقطة مهمة غفلها أو تغافلها كل دعاة العلمانية في الغرب والشرق على السواء وهو الخطوة الاولى التي تؤدي الى منزلق خطير, إن جون لوك في دعوته الى تحييد الدين في بدء النهضة الاوربية ـ وهي دعوة مشروعة الى حد كبير حيث كان الدين المعني بهذه الدعوة هو دين الكنيسة ـ  لم يكن يخطر بباله أن ذلك سيقود الواقع الاخلاقي والاجتماعي الى انهيار شبه تام .

مثال

أقدمت عدد من فتيات الجامعات الصينية على قبول عرض من شركة إعلانات  محلية العرض يتضمن تأجير الفتيات مساحة من افخاذهن لوضع ملصق يتضمن علامة تجارية او باركود يمكن مشاهدته باستخدام الهاتف الذكي في مقابل مبلغ من المال ولوضع الاعلان شروط : ومن الشروط ان تقبل الفتاة ان يقترب منها المشاهد للرؤية او لالتقاط الباركود دون إظهار اي خجل او كسوف على ان تبقى الفخذ ثابت دون اى حركة لتجنب حدوث مشكلات تقنية  ومن الشروط ايضاً ان يتم ذلك في الشارع بشكل طبيعي . وبحسب شركة الاعلانات  فقد تمكنت الشركة من الحصول على الموافقة من حوالى مئة طالبة وذلك بعد زيارة للسكن الطلابي في جامعة "اتشونغنان" بمدينة ووهان الصينية . وقد اثار الموضوع جدل واسع في الجامعة ما بين موافق ورافض للفكرة ومن جانبها صرحت احدى الفتيات الموافقة والتي كانت تعرض الاعلان فى وقت المقابلة انها لا تجد اي مشكلة في هذا الامر وتابعت كلامها بقول هو مجرد ملصق اكسب منه المال الذى احتاجه في الدراسة في الجامعة (المصدر: http://amjadya3rab.blogspot.com/2014/05/blog-post_30.html )

وبهذا يكون قد صار بوسعنا التأكد في هذا المنزلق أننا في زحزحة الثوابت الاخلاقية باسم العقل  .. أمام لعبة خطرة جدا .

إن الفتاة في مجتمعاتنا حين تعتمد فكرة السفور المعتدل فإنها في الخطوات اللاحقة كحجم الاختلاط مع الجنس الآخر وحجم الحرية التي تمارسها وغير ذلك, لا تنفك فيها أن تعتمد الثابت الاجتماعي بمرده الأساسي الدين, وبهذا نخلص الى أن الدين

هو ما يحول دون الوصول الى حالة كالتي مثلتها الفتاة الصينية في المثال السابق .   

إضافة الى ذلك فإن المساحة المكشوفة من جسد المرأة في السفور الوسط وما يلحق ذلك من تأنق وتزويق لها القدرة على  إثارة الغريزة عند الرجل, والنتيجة  هي عدم الوصول الى الغاية المنشودة وهو خلق مناخ آمن لارتباط المرأة والرجل, ثم أن الشريعة الاسلامية لم تفرض على المرأة شكلا ثابتا للحجاب بل وضعت له شروطا تحقق ستر مفاتنها وعلى ذلك فبوسع أي امرأة أن ترتدي ما يلائمها ويحقق الشرط فيه .. كما هو الحال عند الكثير من النساء في مجتمعنا فيمن يرتدين من لباس شرعي في الجامعة والدائرة والمعمل .

س :    رغم ما ذكرته فإن الواقع يقول أن هناك الملايين من النساء بلا حجاب وهن في حالة مستقرة في علاقتهن مع الرجال وبشكل طبيعي ..  

م :  إن وجود عدد من العناصر لا يخضع للقانون العلمي يؤدي وبشكل حتمي الى تخطئة القانون, ولكن هذا في العلوم الطبيعية أما في العلوم الاجتماعية فإن هذا غير ملزم, يعني أن وجود فقراء صالحين غير مجرمين لا يؤدي الى تخطئة  الحقيقة العلمية في أن الفقر سبب في تفشي ظاهرة الجريمة ..

أنا لا أنكر أن في المجتمعات التي ينتشر فيها السفور هناك علاقات دافئة وأسر مترابطة واحساس بجمال المرأة ومرتكزات أخلاقية تدفع عن الانحراف والخطأ ..

ولكن هل يعني هذا أن علينا الامتناع عن نشر الثقافة الصحية لوجود أناس في مجتمعات متخلفة رغم أنهم لا يراعون الشروط الصحية إلا إنها يرفلون بصحة جيدة!؟

تقول الدكتورة ميريام جروسمان أنها وجدت من صميم خبرتها المهنية كطبيبة نفسية أن الاباحية تدفع بأجيال الشباب الى واقع صحي مرعب على الصعيدين الجسدي والنفسي, وأن تأصيل البعد الروحي وقيم الفضيلة الدرع الواقي لهم, ولكن الجهات المسؤولة في الولايات المتحدة تصر على منع هكذا معالجة بذريعة الحرية وأصالة العلم .

وفي مجتمعاتنا يمكننا من خلال الانتريت الذي صار الوسيلة الاكثر انتشارا في الحصول على المعلومة, أن نطلع ـ مثلا ـ على كيف أن ظهور المسلسلات المدبلجة بما تعرضه من مستوى تبرج وقيم مفتوحة كان سببا أساس في ارتفاع نسبة الطلاق ..

كلمة أخيرة

لماذا هذا الإنكار لمكانة الله , وجعله أهون الآمرين ؟!

إننا حين نؤمن بالله العظيم فاطر السماوات والأرض ، إلا يكفي حينئذ أن تلتزم الفتاة بالحجاب لا لشئ إلا لأن الله أمر به؟!

لماذا لا يكون السبب في أن الفتاة تطمع بما أعده الله من النعيم ، لمن أطاع وأصلح ..

وتتقي عذابا توعّد به من عصاه ، سببا مقبولا لالتزام الحجاب ؟!

أليس الأحرى أن نحرص على تبيّن أمر المولى عز وجل ، من أن نلهث وراء فلسفات لاتجر على الانسان غير الدمار ..؟!

بسم الله الرحمن الرحيم () يا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ () الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ () فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ () كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ () وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ () كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ () إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ () وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ () يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ () صدق الله العلي العظيم .

الشيخ صلاح الخاقاني