بعض الفصول تلازم احلامك، فأحيانا الحلم يرافقه الخريف حيث يسقط عليك أشجانا من شجر الحياة، ويقطع سيل تدفق مياهه من عين الواقع ويجعل جريانها داخل المجرى.

واحيانا اخرى يعيش ذلك الحلم فصلا شتائيا باردا ليله طويل ونهاره بلا ألوان، فتبقى تكافح منتظرا ربيعك.

 تنظر للبعيد ابعد من مسافته الحقيقية كأنه لن يأتي، تجلس تنظر لأطفالها الأربع وتتحسس الخامس في اعماقها حيث علمت بوجوده بعد تلك الفاجعة، جاءتها الاصوات متلاحقة قرأت في عيونهم الفقد، أخبروها بحريق في مخبز زوجها وقد التهمت النار صديقه بعدما خرج هو بطوله، ثم اردفوا: اعتصرته الغيرة فلم يُسّلم صديقه للموت فبعد محاولته لتخليص رفيقه من سلسلة النار التفّتْ عليه ليلقيا حتفهما معا.

تَذْكُر ذلك اليوم ومدمع القلب يفتح منبعه على مصراعيه في وادِ المِحْجر، تنظر لصغارها يجب ان تخفي دموعها عنهم؛ من الصعب اخفاءه على الناظرين لكن الاصعب ان تخفي ذلك عن قلبها خوفا على ذلك الجنين، تُرَتّل على قلبها آيات الصبر ثم تنهض لتقوم بدورين قوة الاب وحنان الام.

انطلقت مسيرة البحث عن عمل، فبدأتْ تُحيك شباك للصيد ثم عملتْ بصناعة (السبح)، ثم بتركيب الزهور الاصطناعية، ولها مع الخيط (البريسم) علاقة طويلة حيث أخذت بربط (الشيلة العراقية)، وحياكة الصوف، وختمتْ ذلك بدقّ الفصوص الخاصة بصبغ الاخشاب مما يُعْرَف (بالدملوك).

وما لبث الدهر الى ان رمى جمر صيفه عليها لتفقد طفلتها ابنه الثامنة بسبب مرضٍ يسرق بخبثه ارواح البشر، فلم يبقَ لها الا ثلاث زهرات وعضد واحد هكذا كانت تراه ساقها ويدها رجل المنزل الذي يلذن بحماه اخواته.

جمالها وصِغر سنها سبب لها الكثير من المشاكل فهذا يتحين الفرص للحصول عليها, وآخر رماها بسيل من الكلمات المريضة لأنها لم توافق عليه، فاحتضنتْ اولادها وتكورتْ عليهم لتكون هي مَصد لسهام من حولها.

انتقلت من منزل لآخر لان منزلها تقسم على من يرثونه فخرجت منه الى منازل عدة, رحلتْ ابنتها الكبيرة الى بيت زوجها وتلتها الاخرى وبقيت مع زهرة وساق، كَبُر رجل المنزل ليساعد امه في عملها، ثم انتهى ذلك الماضي لتعيش في حاضر حمل معه لها الكثير من الامراض لكنه وَفّر لها رؤية ذلك المستقبل الذي كانت تراه بعيدا.

تنظر الى احفادها برفق وتحتضنهم بدفء وتُحضر للجميع ما يشتهي من اطباقها المميزة، رغم شعرها الذي نسيت سواده، فحقّ لها ان تتميز بصبرها لتنال درجة الامتياز.

 

ضمياء العوادي