ارتديت ثوب الحداد للمرة الثالثة هذا الشهر ، ولكن هذه المرة شعرت بأن روحي ارتدت السواد وليس جسدي !

ﻻ أعلم أن كنت يائسة او حزينة ، او لأني فقدت طعم للحياة باستشهاد جارنا ، فجرعات الحزن توالت علي ؛ وبدأت تثقل قلبي بما يفوق طاقته وتحمله .

تساءلت بعبرة كادت ان تخنقني ..

كيف حال أم علي اﻷن ؟

وهل الحزن والدموع أخفى نور وجهها الباسم ؟

وهل ستتقبل مني المواساة أم أن صدمتها أكبر من أن ترى الحضور ؟

كم تمنيت زيارتها لغير هذا السبب ؟

حتى اﻻن لم أرد لها معروفها حينما أرسلت لي رايتها الخضراء التي طافت بها ومسحتها تبركا بشبابيك وأبواب الأضرحة المقدسة بعد أن علمت بالصدفة اني أعاني من سقم أعياني لأيام ؛ فكانت رايتها الدواء والشفاء من مرضي .

بدأ قلبي يخفق بشدة لحظة دخولي دارها ، ولم أتمالك نفسي ، وخطواتي أخذت تتراجع ، فأنا اضعف من مواجهة قلب ما زال جرحه ينزف بشدة ولكنه الواجب !!!

حضور مزدحم وسواد عم المكان ودموع تنهمر بغزارة من عيون جميع الجالسين ؛ اﻻ عيون من كنت أبحث عنها ﻷواسي قلبها المفجوع بمصاب ولدها وعزيز قلبها " علي "  .

وحينما اقتربت منها ودنوت ﻷقبل رأسها استقبلتني بنظرة حانية كعادتها وابتسامة لم أعرف لها تفسير ؛ ربما إنها أخفت خلف ابتسامتها تلك ؛ حزن ﻻ تفي الدموع حقه .

وبعد أن واسيتها بكلمات تعثرت على لساني ارتباكا ﻻمست دموعي وشاحها اﻻبيض فتراجعت قليلا الى الوراء ﻷجد لي مكان بين الحضور أريح فيه جسدي المنهك من شدة الحزن على ذلك الشاب الذي كان يستعد للزواج من ابنة عمه ؛ ولكن ربما استعداده للشهادة كان أصدق وأعمق !! .

وأمام صورته .. بدأت افقد قواي شيئاً فشيئاً ، ولم أفهم كيف يمكن ﻷم أن ترفض البكاء على وحيدها ؟ وكيف لها أن تبتسم قبل أن تصلي عليه صلاة الوحشة ؟

ووسط كل ذلك الذهول ؛ صرت أسمعها تخاطب من حولها بعزم مقاتل بلسان صبور وقلب موالي ونفس راضية :

" ﻻ تواسوني بدموعكم ؛ فلتكن دموعكم مواساة لمولاتي الزهراء روحي فداها ، فهذا المجلس عزاء على ولدها الحسين عليه السلام وليس على ولدي " .

بدأت أفهم وأعلل سبب صبرها ؛ فهذه السيدة تختزن في قلبها نور من أنوار أهل البيت عليهم السلام ؛ وﻻعجب منها وهي التي باركت ألتحاق " علي " بكلمات رددها الجيران لأيام ، حيث أخبرتني أحدى الجارات بأن " أم علي " لم تعارض التحاق أبنها بل شجعته وخاطبته بشيء من عزم أم وهب : " وليدي انت بكل الأحوال راح تموت بيوم من الأيام بس الي يموت وأيده بيد الحسين هنياله " .

ولأني استوعبت قيمة أن يعرض اﻻنسان عن هذه الدنيا الفانية ، وأن يهيئ زاده للآخرة ؛ اختلفت نظرتي لهذه اﻻم التي شككت للحظة بأن مشاعرها باردة واكتشفت أني موهومة بالعيون الباكية ! فبكاء الروح أبلغ ، ووﻻء القلب أصدق ،  وقررت بيني وبين نفسي أن ﻻ اقطع وصل " أم علي " وأن أواصل زيارتها دائماً لعلي أجد نفسي بين سطور أحاديثها العفوية او في نظراتها الحانية التي تحملني لعالم يقربني من الله بخطوات واثقة ؛ لأتجرد من خوفي وأطمأن ؛ فبقدر عفويتها وبساطتها إﻻ إنها علمتني أهم درس في حياتي دون أن أقرأ كتاب أو اكتب على ورقة ما  .

ايمان كاظم الحجيمي