الحلقة الثالثة

يستمر الهوس والتخبّط في رواية زواج السيدة أم كلثوم من عمر وكل هذا الهوس والتخبط يشير إلى كذبها وزيفها فتحمّل معنا عزيزي القارئ على متابعة الموضوع ولا تفقد أعصابك من أجل الحقيقة .. نعم من أجل الحقيقة وحدها.

جاء في (الاستيعاب 2/733)، (والإصابة 4/469)،(والبداية والنهاية 5/309): (إن عمر أمهر أم كلثوم أربعين ألفاً).

وجاء في (أنساب الأشراف للبلاذري 2/190): (أنه أصدقها مائة ألف درهم)!!!

توقفت المزايدة على مائة ألف درهم عند المؤرخين ولا أدري لماذا لم يزيدوا إذا كانت هذه المزايدة لا تخسرهم شيئاً؟ ولنستمع إلى عمر نفسه وهو يكذّب أقوالهم كما روى (ابن الجوزي في الأذكياء 217): (قال عمر: لا تزيدوا في مهر النساء على أربعين أوقية، وإن كانت بنت ذي الغصة ــــ يعني يزيد بن الحصين الصحابي الحارثي ــــ فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال).

ونترك الحديث قليلاً للرد على هذا التخبّط إلى الشيخ المفيد (رحمه الله) ثم نعود إليكم لمواصلة هذه الرحلة المضحكة المبكية، قال الشيخ المفيد في المسائل السروية:

(إن الخبر الوارد في تزويج أمير المؤمنين (عليه السلام) ابنته من عمر غير ثابت، وهو من طريق الزبير بن بكار، وطريقه معروف، لم يكن موثوقاً به في النقل، وكان متهماً فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وغير مأمون فيما يدعيه على بني هاشم.... والحديث نفسه مختلفاً، فتارة يروي: ان أمير المؤمنين (عليه السلام) تولّى العقد له على ابنته، وتارة يروي: عن العباس أنه تولى العقد له عنه، وتارة يروي: انه لم يقع العقد إلا بعد وعيد من عمر وتهديد لبني هاشم، وتارة يروي: انه كان من اختيار وإيثار. ثم إن بعض الرواة يذكر أن عمر أولدها ولداً سماه زيداً، وبعضهم يقول: إنه قتل قبل دخوله بها، وبعضهم يقول: إن لزيد بن عمر عقباً، ومنهم يقول: إنه قتل ولا عقب له، ومنهم من يقول: إنه وأمه قتلا، ومنهم من يقول إن أمه بقيت بعده، ومنهم من يقول: إن عمر أمهر أم كلثوم أربعين ألف درهم، ومنهم من يقول: أمهرها أربعة آلاف درهم، ومنهم من يقول: كان مهرها خمسمائة درهم. وبدء هذا القول وكثرة الاختلاف فيه يبطل الحديث ولا يكون له تأثير على كل حال).

رحم الله شيخنا المفيد وقدس مثواه فقد قوّض هذه الرواية، وكشف زيفها، وكذبها، وحمل عنا الكثير من هذه الردود، فإذا خطب عمر أم كلثوم فما شأن العباس من هذا الأمر؟ وأبوها أمير المؤمنين (عليه السلام) موجود؟ وإذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) غير راضٍ فإنهم قد أساؤوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وإلى عمر معاً فكيف يزوج أمير المؤمنين (عليه السلام) ابنته غصباً وكيف يقبل عمر بذلك؟ وقد خطب عمر أم كلثوم بنت أبي بكر بعد وفاة أبي بكر فرفضت عائشة فامتنع عمر عن معاودتها كما سيأتي مفصّل هذه القصة في هذا الموضوع فلم يجرؤ عمر على الزواج منها غصباً. وهل أن بني تيم أمنع وأحمى لنسائهم من بني هاشم وآل أبي طالب وهم أشجع العرب كي يزوجوا ابنتهم غصبا؟ لا إله إلا الله.

ثم هناك حقيقة تاريخية تنفي هذا الزواج من أصله وتجعل هذا الزواج منافياً للعقل، والمنطق، والناموس الطبيعي البشري، ولا يمكن أن يعزوه إنسان إلا إلى نسج الخيال فإن السيدة أم كلثوم ولدت في السنة السادسة للهجرة ومن المعروف أن عمر قتل سنة (23هـ)، فإذا أخرجنا أثنتي عشرة سنة وهي ست سنوات من الهجرة قد انقضت حتى ولدت أم كلثوم وست سنوات من عُمر ابنها المفترض زيد يكون اثنتي عشرة سنة أضف إليها تسعة أشهر وهي فترة الحمل الطبيعي عند المرأة فيكون ثلاثة عشر سنة وعلى هذا الأساس يكون عمر قد تزوج أم كلثوم وعمرها عشر سنين كأعلى حد أو دون ذلك وهذا مما لا يعقل ولا يقبله منطق عاقل والفارق الكبير في السن يجعل من هذا الزواج مستحيلاً.

نعم ممكن أن يكون زوجها وهي في ذلك السن من شاب يكبرها قليلاً كعون بن جعفر بل يكون هذا الزواج طبيعياً جداً.

ولم يقتصر نفي هذا الزواج على المفيد، فقد أنكره العديد من أعلام الشيعة المتقدمين والمتأخرين، حيث صنّف الشيخ البلاغي (رحمه الله) رسالة خاصة لم يدع فيها مجالاً للشك على بطلان هذا الزواج، كما أنكره الدكتور (لبيب بيضون) في (موسوعة كربلاء) (ج2 ص 640) بقوله: (ذكر السنة أن عمر بن الخطاب خطب إلى الإمام علي (عليه السلام) ابنته الصغيرة أم كلثوم في قصة أسطورية وهذه البنت أمها فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي ماتت واجدة عليه لما فعل بها، وقد أكد الشيخ المفيد أن القصة عارية من الصحة بل هي من نسج الخيال وقد حبكت لغرض سياسي بحت وهو نفي الخصومة التي كانت بين الإمام علي وزوجته الزهراء (عليهما السلام) وبين الشيخين بشأن الخلافة والشورى وغصب فدك وحرق بيت فاطمة).

كما نفى هذا الزواج السيد جواد شبر في (أدب الطف) ص 76: حيث قال: (وأما الرواية التي تقول إن أم كلثوم قد تزوجها عمر بن الخطاب فهي عارية عن الصحة...) كما لم يقتصر نفي هذا الزواج على الشيعة فقط إذ أنكره الذهبي وهو من مؤرخي السنة فعندما أورده الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3/142 تعقبه الذهبي في التلخيص فقال: منقطع والحديث المنقطع السند يكون مهملاً.

ونكتفي بهذه الأدلة التاريخية وأقوال الأعلام ببطلان هذا الزواج فمن شاء فليؤمن بالحقيقة ومن شاء أن يجحد فعليه ضلاله.

ينبغي على المؤرخين أن يكونوا أمناء في نقل الحقائق والحوادث التاريخية ولا يتخبّطوا في الأسماء. نعم لقد تزوج عمر من أم كلثوم ولكن أية أم كلثوم هي إنها أم كلثوم بنت جرول الخزاعية ـــ أم عبد الله بن عمر ــــ كما خطب عمر أم كلثوم أخرى وهي أم كلثوم بنت أبي بكر كما ورد في التواريخ والسير لكن عائشة رفضته بمساعدة المغيرة بن شعبة. وأظن أن كل هذه الأدلة كافية على بطلان هذا الزواج من أساسه.

 

محمد طاهر الصفار