لم يسلم أحد من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة من الأقلام الأموية بما في ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنسحب الأمر منها لعلي وذريته عليهم السلام ؛ ممن تعدهم شجرة بني أمية الملعونة ؛ ألذ أعدائها ؛ فكتبوا ما كتبوا ولصقوا ما لصقوا وأشاعوا ما أشاعوا ، فمن يتصفح تاريخهم ـــ بنو أمية ـــ المزيف يجد حقدهم الدفين ظاهر وبارز ؛ وشعارهم في ذلك ( رمساً رمسا ) ، فحاولوا المساس بشخصية الإمام علي والسيدة الزهراء عليهما السلام ؛ فلم يستطيعوا .. بل أنقلب عليهم ما كتبوا ، فكرروا المحاولة مع الإمام الحسن عليه السلام ؛ ولم يتمكنوا كذلك ؛ حتى انتقلت المحاولة مع الإمام الحسين عليه السلام ؛ فعصف تيار نهضة الإمام الحسين بجميع ما كتبوا وزيفوا ، فبعدها لم يستطيعوا المساس بشخصيات أئمة أهل البيت عليهم السلام ؛ فحاولوا المساس بالمقربين منهم ، وباءت هذه بالفشل أيضا ، ومما يتأسف عليه نقل ذلك ممن لا تحقيق له ، فمن ضمن الذين حال الأمويون المساس بشخصيتهم وتاريخهم هي السيدة الشريفة الطاهرة المطهّرة والزهرة الباسمة الناظرة سكينة بنت الإمام الحسين عليه السلام فهذه المرأة العفيفة المجاهدة التي رافقت مسيرة أبيها الجهادية من المدينة إلى رجوعها مع عمتها السيدة زينب عليها السلام من رحلة السبي فهذه السيدة الجليلة التي قال في حقها أبوها سيد شباب أهل الجنة عليه السلام : (وأما سكينة .. فغالب عليها الاستغراق مع الله ، فلا تصلح لرجل) ، وصف لم يرى له مثيل ، وكان الإمام الحسين عليه السلام يحبّها حبّاً شديداً ، ويقول فيها وفي أمها الرباب شعرا:

لعمـركَ أنّنـي لاُحـبّ داراً                          تـحلّ بهـا سكينـة والرباب

أحبّهما وأبـذل جـلّ مـالي                        ولـيس للائمـي فيهـا عتاب

ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً                  حيـاتــي أو يعلّيني التراب

        وبهذه العظمة والجلالة تأتي الأقلام الأموية وتحاول أن تشوه شخصية تلك القديسة التي يأبى الله لها إلا الطهارة والعفاف ! فكتبوا أنها تزوجت عدة مرات من اشخاص ليسوا بكفء لها ؛ وكذلك كتبوا أنها كانت تعقد مجالس الشعر والغناء في دارها ، وأكتفي بالرد على ذلك بما قالت الدكتورة بنت الشاطىء بعد أن أوردت قوائم الأزواج :

(( وتختلط الأسماء اختلاطاً عجيباً بل شاذاً ، حتى ليشطّر الإسم الواحد شطرين ، يؤتى بكلّ شطر منهما على حدة ، فيكون منهما زوجان للسيّدة سكينة ، فعبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام شطّر شطرين فكان منه زوجان : عبدالله بن عثمان ، وعمرو بن حكيم بن حزام ، أو كما ترجم في دائرة المعارف عمرو بن الحاكم . ففي صفحة واحدة من الأغاني مثلاً تقرأ أربع روايات متناقضة متضاربة سردها أبو الفرج متتابعة ، ثم لا شيء أكثر من هذا السرد ... وإذا بلغ الخلاف في الموضع الواحد أن يكون الأصبغ المرواني أوّل أزواجها في رواية ورابعهم في اُخرى ، ثم لا يشار إلى هذا الخلاف بكلمة واحدة ، وإذا بلغ الشذوذ فيما يروى من حياتها الزوجيّة ، أن تلد لمصعب بنتاً تتزوّج من عمّها أخي مصعب ... ربما عرض لنا آخر الأمر أن نسأل : متى ظهرت سكينة في المجتمع طليقة متحرّرة ، وشاركت في التأريخ الأدبي بعصرها ؟ المؤرّخون يقرّون أنّ المدينة كانت في مأتم عام لسيّد الشهداء ، وأنّ اُمّها الرباب قد أمضت عاماً بأكمله حادة حزينة حتى لحقت بزوجها الشهيد .

وأنّ اُم البنين بنت حزام بن خالد العامريّة ، زوج الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام ) ، كانت تخرج إلى البقيع كلّ يوم فتبكي أبناءها الأربعة ، أعمام سكينة ، الذين استشهدوا مع أخيهم الحسين في كربلاء : عبدالله ، وجعفر ، وعثمان ، والعباس بني علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فتلبث نهارها هناك تندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجىء فيمن يجىء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي .

فهل ترى كان يحدث هذا وسكينة تعقد مجالس الغناء في دارها ، وتواعد عمر الصورين ذات ليلة ، استجابةً لرغبة نسوة شاقهنّ مجلس ابن أبي ربيعة ؟!

هل كان مروان بن الحكم يسمع اُم البنين تندب أعمام سكينة فيبكي لها ، وسكينة تبكي بدموع ذوارف على الخدين والجلباب لفراق عمر بن أبي ربيعة ، وتصغي إلى شدو المغنين )) (1) ، وهي التي رثت أباها الحسين عليه السلام بتلك الأبيات:

لا تعـذليـــه فـهمّ قـاطعٌ طُـرقُـه                   فعينـــــــــــه بـدمـــــوع ذُرَّفٍ غدقة

إنّ الحسين غـداة الطف يـرشقه               ريـب المنون فما أن يُخطىء الحدقة

بـكفّ شــرّ عبـاد الله كلّهــــــــم                      نـســــل البغايا وجيش المرّق الفسقة

يا اُمّة السوء هاتوا ما احتجاجكـم           غـــــــــداً وجلُّكـم بـالسيف قد صفقه

الويـل حلّ بكـم إلاّ بمن لحقــــــه                صيّـرتمـوه لأرمـــــــاح العِدا درقـة

يا عين فاحتفلي طول الحياة دمـاً           لا تبــــــكِ ولـداً ولا أهـلاً ولا رفقـة

لكن على ابن رسول الله فانسكبي           قيحـــــــــاً ودمعاً وفي إثرهما العلقة

فجاء من يدافع عن تلك السيدة الجليلة من أبناء العامة حتى يكون عليهم حجة ويكشف زيف تلك الشجرة الملعونة التي كانت ولا زالت ترمي بالشبهات على آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله فيأبى الله للسيدة سكينة عليها السلام إلا أن تكون عفاف فوق الشبهات فسلام الله عليها وعلى روحها الطيبة الطاهرة .

 

1- إعلام النساء المؤمنات ص 495 .

 

ابراهيم السنجري