وردت في القران الكريم إشارات صريحة تارة ومرموزة في اخرى ؛ لبيان مكانة بعض النساء الفاضلات ممن اشتهرن بالخير والصلاح ؛ ومنهن السيدة آسيا بنت مزاحم .

ويبدو من اسمها إنها كانت عربية من الهكسوس الرعاة او الحكام الذين حكموا مصر لمدة ما يقارب القرنين من الزمان ، وقد تحدت زوجها فرعون بما فيه من جبروت وكبر وأسلمت وآمنت بالله .

هذا هو ما فعلته بالضبط هذه المرأة الأنموذج قبالة زوجها فرعون ، مع انه كان أكثر فراعنة عصره والتاريخ طغيانا وعتوا ، حتى قال : " أنا ربكم الأعلى " .

وهي ثانية اثنتين ضرب لله بهما مثلا للذين امنوا لتكونا قدوة للذين امنوا على مدى التاريخ الإنساني ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ، وهي من أكمل النساء اللواتي قال رسول الله صلى الله عليه واله فيهن : (( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا أربع : آسية بنت مزاحم ، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد )) .

وقد اخبرنا القران الكريم عن الموقف الإنساني العظيم لآسية في مسألة الطفل الرضيع (( النبي موسى عليه السلام )) والملقى في نهر النيل في الصندوق ، فمنذ مر الصندوق الذي يحمل الطفل على مقربة من قصر فرعون ، التقطه آل فرعون ووضعوه بين يديها وكان فرعون يقتل كل صبي يولد لبني إسرائيل فأراد قتله فأبت عليه قائلة : قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى ان ينفعنا او نتخذه ولد .

ولقد ألقى الله تعالى محبة موسى عليه السلام في قلب هذه المرأة الصالحة التي لم يكن لها ولد فتبنته لينشأ في قصر فرعون ، وسواء كانت مؤمنة قبل ان تهتدي على يد موسى عليه السلام أم أنها آمنت فيما بعد فأن الذي يهمنا أنها أسلمت برب موسى عليه السلام وكفرت بزوجها الذي نصب نفسه ربا في قبالة الله ؛ بل زعم انه الرب الأوحد .

لقد آثرت النعيم المقيم على النعيم العقيم ولأن الجميع كانوا يسبحون بحمد قصر فرعون ويقفون صفا واحدا لامتثال طاعته ولم يكن أحدا يجرئ على ان يعلن عن أيمانه او يصرح به ، ولذا كان هناك (مؤمن آل فرعون) الذي كان يكتم أيمانه وقيل ان آسية كانت مؤمنة تكتم أيمانها والأيمان الكتيم نور في الأعماق يمكن ان ينفجر في أية لحظة.

  ترعرع النبي موسى عليه السلام في كنف هذه المرأة الصالحة التي منحته حبا صادقا وعناية فائقة ودفاعا مستميتا فلقد كانت سببا في نجاة موسى من الذبح ؛ وكان هو سبب نجاتها من الهلاك بان هداها للإيمان ففتحت مسامع قلبها لدعوته وصمتها عن تهديدات فرعون وغدره وناصرت النبي موسى عليه السلام على عدو الله وعدوه وعدوها فحينما وقفت آسية على مفترق طريق بين هذا الذي يؤدي الى الجحيم وذاك الذي يؤدي الى النعيم ؛   لم تترد في الاختيار ؛ آثرت جنة الله الخالدة على جنة فرعون البائدة الزائلة ، بعد ان خيرها في ان تعود الى طاعته او ان يصلبها ؛ ولم تهن ولم تحزن وقالت بأباة السحرة الذين رفضوا مثلها عبادة فرعون : " فأقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا " .

 لقد كانت آسية جندية صلبة من جنود النبي موسى عليه السلام بل من جنود الله البسلاء ، والجندي من هذا النوع هو اخطر جندي يواجه الطاغية ، انه يعد بآلاف الفرسان .

هذا ما يريده درس القران من ضرب المثل للذين آمنوا من المؤمنين والمؤمنات بهذه المرأة الشهيدة المؤمنة .