الحديث عن الزهراء ( عليها السلام ) إنما هو حديث عما سوى الله سبحانه ، فهي الكون الجامع ، بل الحديث عنها حديث عن الله سبحانه لوحدة الرضا والغضب بينهما ، فإنه سبحانه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، هي خير أهل الأرض عنصراً ، وأشرف بعد أبيها وبعلها مقاماً ، وأكرم منزلاً .
خُلِقت من نور محمدي قبل خلق( آدم )بآلاف من السنين حوراء إنسية ، وقال( جبرئيل ) عنها أنها النسلة الطاهرة الميمونة ، سجدت ونطقت بالشهادتين عند ولادتها ، فهي المباركة الطاهرة الصدّيقة الزكية الرضية المرضية المحدَّثة الزهراء البتول ، ومن عرفها حقيقة فقد أدرك ليلة القدر .

-خصائص فريدة للزهراء (عليها السلام): 

لمولاتنا الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام ) نور يشعّ منها بشكل مميز واستثنائي ، ولها خصائص ليست لسائر المعصومين ( عليهم سلام ) كلما تأملها اللبيب باحثاً ومتفكراً وجد نفسه يغوص في بحر الحيرة والتعجب ! وكيف نتوقع لعقولنا أن تدرك أو تحيط بتلك الهالة النورانية المصطفاة التي تدور الأكوان والخلائق على محورها ؟!
قال الإمام الصادق -عليه السلام- : (وهي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرونُ الأُولى )  إن المراد من القرون هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء والأمم من آدم إلى من دونه وبهذا المعنى قال الشاعر :
وحبُّها مِن الصفاتِ العالية  عليه دارتِ القرونُ الخالية
إن العقل يكاد أن يتوقف معلناً عجزه عن تفسير خصائص هذا المقام العظيم للزهراء ( عليها السلام ) ، وعلى هذا فكل ما بيدنا أن نفعله هو أن نحاول الاقتراب قدر الإمكان من فهم عظمتها مع إقرارنا المسبق بأن عقولنا قاصرة وأفهامنا ناقصة .

-الزهراء (عليها السلام) حجة على الحجج :

ومن معالي شأن فاطمة الزهراء (عليها السلام) وعظم منزلتها عند الله تبارك وتعالى أنّ أحداً لا يستطيع إدراك كُنه معرفتها  إلاّ رسول الله وأئمّة الهدى (صَلواتُ الله عليه وعليهم) ، فهي حجة عليهم كما إنها حجة على الأنبياء (عليهم السلام) ، والحجية لا تكون لإنسان إلا إذا كان ذا مقام علمي وسامٍ على الآخرين ، رُوي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قوله :( نحنُ حُجَجُ الله على خَلْقه، وجَدّتُنا فاطمة -عليها السلام- حُجّةُ الله علينا ) ، ومعنى الحجة لغة : كل شيء يصلح أن يحتج به على الغير ويكون به الظفر على الغير عند الخصومة .

فالزهراء حجة على الأنبياء لما ورد عن أهل البيت -عليهم السلام- : ( ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها ) ، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، فالأنبياء يقرون لها بالفضل والمحبة مما يعني أنها كانت لها زيادة في الفضائل .
وهي حجة على الأئمة الأطهار (عليهم السلام)؛ لما ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الله تبارك وتعالى أنه قال : ( يا أحمد ! لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما ) .
-الزهراء أم أبيها:

ولم تقتصر الصدّيقة فاطمة ( عليها السلام ) على مقام البُنوّة مِن سيّد الكون المصطفى ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) حتى صارت ( أُمَّ أبيها ) في مقابل أمومة زوجاته للمؤمنين فإذا كان الله تعالى قد أكرم زوجاته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأن جعلهنّ أمّهات للمؤمنين لقوله تعالى : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم ) الأحزاب آية 6 إشارة إلى بعض آثار الأمومة من الاحترام والتكريم لهنّ كاحترام الأم الحقيقة وتكريمها ، فانّ فاطمة ( عليها السلام ) قد فاقت منزلتها بحجيتها الإلهية لتكون أمّاً للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وعلى لسانه لقوله : ( فاطمة أمّ أبيها ) مما يشير إلى عِظم منزلتها ، فأمومتها له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تعني أن هناك علاقة ارتباط وثيق على مستوى الحجية أي انّ أمومتها للنبي إضافة إلى رعايتها له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والقيام بشؤونه  لها جانب إشراف ورعاية لدعوته وتصديقه كإشراف مريم ( عليها السلام ) لنبي الله (عيسى) ورعايتها لدعوته والقيام ببعض شؤون رسالته وبهذا يتّضح الفرق بين الأمومة للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأمومة للمؤمنين .

-التميّز في زيارتها (عليها السلام): 

نحن عندما نزور الأئمة ( عليهم السلام ) بالزيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الإمام الهادي ( عليه السلام ) على أساس أنها جامعة لكل الفضائل والمقامات للأئمة ( عليهم السلام ) لا نزور بها فاطمة ( عليها السلام ) ؛ لأن لها زيارة مخصوصة حيث تقول هذه الزيارة : ( يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة ... ) .
زيارة المعصومين تبدأ عادة بالسلام كأن يقال: (السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله... ) ، أو ( السلام عليك يا أمين الله في أرضه وحجته على عباده ) هذا التكرار يساعد على تحقيق مستوى من الاستقرار النفسي لدى الزائر أما في زيارة الزهراء (صلوات الله عليها) فإن النفس لا تكون مستقرة ! بل تشعر بهزات من الأعماق؛ لأن أول ما يأتي به الزائر في خطابه فوراً ومن دون أية مقدّمات : ( يا ممتَحنَة ) فيزلزله الخطاب ، ويوقد فيه نار الاضطراب ! فيشعر فيه بعظمة الامتحان الذي تعرّضت له الزهراء (عليها السلام ) ، والمعروف أن الإنسان يتعرض للامتحان لمعرفة مدى استعداداته وقابلياته ، أو لزيادة في منزلته وكرامته ، وهذا ما جرى مع فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) حيث امتحنها الله تعالى ؛ لكي تكون حاملة لشيء عظيم اقتضت إرادة السماء أن تحمله وذلك بعد نجاحها في الامتحان .
ولن تترك تتمة العبارة الأولى للزائر مجالاً للهدوء بعد تفسيره الذهني لكلمة ( ممتَحَنة) ، فبمجرد أن يواصل الخطاب سيتلاشى عنده هذا التفسير ويراه أصغر من أن يقتنع به وذلك عندما يقرأ : ( امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك ) حيث يبين له النص بأن الله تعالى وجد الزهراء صابرة لما امتحنها به قبل أن يخلقها لإظهار مقامها حيث استحقت لقب الصابرة .
والصبر مقام سامٍ ، وهذا نراه من خلال القرآن الكريم حيث أثبت الله تعالى الثواب لكثير من الفضائل الموجودة في القرآن ، أما الصبر والصابر فإن أجرهم غير محدود وهذا ما نجده في قوله تعالى : ( إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب ) سورة الزمر آية 10 ، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد كما ورد في الحديث الشريف ولا يكاد الزائر يضرب صفحاً عن هذه التساؤلات حتى تصعقه عبارة : ( وزعمنا أنّا لك أولياء... ) !.
فيأتي التساؤل : ما معنى هذا؟ هل أن موالاتنا للزهراء (صلوات الله عليها ) مجرد زعم؟! ؛ لأن الزعم - لغة - هو الادعاء المحتاج إلى دليل للإثبات، فالأصل فيه الكذب إلا أن يثبت الصدق بدليل ، إذا عرفنا ذلك أدركنا مدى خطورة الأمر، فالحقيقة هي أننا نزعم أننا موالون للزهراء (عليها السلام ) ولكن إثبات أننا مخلصون في موالاتنا يبدو صعباً على نفوس ملوثة بالذنوب مثل نفوسنا !.
وهذا ما عبّرت عنه الزهراء ( عليها السلام ) ، فقد رُوي أن رجلاً أرسل امرأته إلى فاطمة (عليها السلام) وقال لها : اذهبي إلى فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاسأليها عني أني من شيعتكم أم ليس من شيعتكم؟ فسألتها فقالت: قولي له : ( إن كنت تعمل بما أمرناك، وتنتهي عما زجرناك عنه، فأنت من شيعتنا، وإلا فلا ) .
ولهذا نتوجه لها بالزيارة والتي فيها من الأسرار كثير ؛ لتشملنا بشفاعتها ؛لأنها تحرّك كوامن الضمير وتستثير المشاعر وتدفعنا نحو محاسبة النفس أكثر، كما ويعطينا نص الزيارة بارقة أمل في عبارة : ( وزعمنا أنّا لك أولياء ، ومصدقون وصابرون، لكل ما أتانا به أبوك -صلى الله عليه وآله- ، وأتانا به وصيه -عليه السلام- ، فإنا نسألكِ إن كنا صدقناكِ إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنبشَّر أنفسنا بأنّا قد طهرنا بولايتكِ ) ،

سبحان الله! تكون الزهراء (عليها السلام ) هي المسؤولة عن إلحاقنا بأبيها وبعلها (عليهما الصلاة والسلام )، ويكون كل ذلك مقيّداً ومشروطاً بتصديقها هي فما أروع هذا المقام الفاطمي الشامخ !. 

وفي آخر مقطع من الزيارة يسرح خيال الزائر في فضاء رحب وهو يردد : ( لنبشّرَ أنفسنا بأنّا قد طهرنا بولايتكِ ) ، فما سرّ هذا التطهير الإكسيري النابع عن ولاية فاطمة ( عليها السلام ) ، هل تطهير طريقي أم موضوعي ؟ هل هو تطهير تكويني؟ أو تطهير شرعي حكمي؟ أم هذه كلها مجتمعة ؟ أم هو تطهير من جنس خاص يغيب عن محتوى معرفتنا القاصرة ؟ .

وبعد فهذا بعض ما امتازت به فاطمة الزهراء (عليها السلام ) من خصائص وليست كلها ؛ لأن الحديث عنها (عليها السلام) له بداية وليس له نهاية ، وكيف ينتهي الحديث عمن وصفها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  الذي لا ينطق عن الهوى  بقوله : (لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة  بل هي أعظم  فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً ) .

المصادر :

1- القرآن الكريم
2- مفاتيح الجنان / الشيخ عباس القمي
3- بحار الأنوار / الشيخ المجلسي
4- مقامات فاطمة الزهراء في الكتاب والسنة / الشيخ محمد السند
5- الأسرار الفاطمية / الشيخ محمد فاضل المسعودي

زهراء الأسدي