تعد المفاهيم التربوية والأخلاقية التي يكتسبها الأطفال من خلال مشاهدتهم لأفلام الرسوم المتحركة مؤثراً مهما وفاعلاً في سلوكهم الاجتماعي وبيئتهم المادية وهذا المؤثر قد يكون بشكله السلبي تارةً عندما يدعوا للعنف المفرط والعشوائي بعيدا عن الوعي والتذكير بأهمية العقل والتفكير لحل المشكلات التي تواجه الطفل وفي أحيان أخرى تؤثر تلك المشاهد الموجه من خلال تلك الرسوم المتحركة بشكل ايجابي في عمليه التكيف الاجتماعي حين يكون المضمون انساني ويدعو لقيم الخير والفضيلة التي تسهم فيها عناصر التربية الأخرى كالأسرة والبيئة.

تلعب الرسوم المتحركة المعاصرة في وسائل الاتصال والمعلومات دوراً كبيراً في احداث ديمغرافية فكرية جوهرية قد لا تتناسب مع واقع الثقافة الفكرية والتربوية للأطفال ومستقبلهم... بشكل مباشر او من خلال ادخال أفكار دخيله في مركز اللاوعي عند الطفل، والمعتقد في الموروث الأخلاقي المرتبط بالدين والخلق, وبجلسة متفحصة لما يعرض على شاشات التلفاز في داخل بيوتنا نرى هذا الكم الهائل من العنف المبطن عبر شخصيات محببة مثل توم وجيري التي يهواها الكثير من الأطفال حد العشق فهاتان الشخصيتان لا تتوانيان عن فعل أي شيء لإيقاع أحدهما بالأخر في اغلب حلقات هذا المسلسل.. فهما لا يتورعان عن استعمال السكاكين والقنابل والضرب بكل قسوة من اجل مصالحهم الشخصية وربما من اجل المتعة فقط.

فلنقف قليلا لدراسة الابعاد النفسية والسيكولوجية في تربية الطفل فلا ينكر ان الرسوم المتحركة ذات تأثير نفسي وتربوي حاد وقوي جدا على إيجاد اخلاقيات جديدة عبر ما يطرح في تلك الأفلام فقد توافر أكثر من مؤثر حسي ونفسي في كل لقطة من لقطاته فهو يمتلك الحركة كعنصر مؤثر إذا لا يخفي ما للحركة من أهمية في حياة الطفل ونموه العضلي فالحركة تمثل الحياة بالنسبة للطفل.

المؤثرات الصوتية

يضاف الى ذلك عنصر اللون الذي يؤثر في شبكية العين المرتبطة بالمخ مباشر اذ يلعب اللون بشد تركيز الطفل بطريقة مغناطيسية في منطقة مهمة من الادراك الواعي اما العنصر الثالث فيكمن في المؤثرات الصوتية والموسيقى التصويرية المتناغمة مع الحدث التي تساعد على اكتمال عملية الشد والارخاء في التفاعل مع احداث الفلم والقصة الموجهة من خلاله, ولتداخل كل هذه المؤثرات في وقت واحد جعل كل ما يطرح في الفلم او المسلسل الكارتوني من احداث وأفكار معلومات ذات تأثير راسخ في ذهن الطفل يجب على الجهات المهتمة بتربية الطفل عراقيا وعربيا الاهتمام بتلك الصناعة واعطاؤها الاهتمام الواضح لما تحمله من أهمية تربوية رفيعة فمن الواضح تداخل الأفكار والنزاعات التربوية والنفسية في تهيئة المناخ الفكري الذي قد لا يتلاءم مع وقعنا وتربيتنا. وهنا مثل اخر مختلف عما تطرحه الرسوم المتحركة من أفكار مسلسل (ساندي بيل) الكارتوني فجوهر القصة مبني على قصة حب جوهرها فكرة (البوي فرندالمقبولة غربيا والمرفوضة عند مجتمعاتنا بشكل عام فمع كل المؤثرات التي تم ذكرها في إيقاع صراع حاد داخل بنية والتفكير فتياننا وفتياتنا فلقد دلت الكثير من الدراسات ان الطفل عادة يحاول التشبيه بالشخصيات التي تعرض عليه فهو يعتبرها مرآة صغيرة للعالم الحقيقي لذا فان عددا من الأطفال والمراهقين يحاولون تقليد الأدوار التي تقدمها لكي يلعبوها في حياتهم الواقعية.

القيم الاجتماعية والأخلاقية

لذا فان ما يقدم من عنف وأفكار وحركات عبر هذه الأفلام يتسلل الى نفوسهم بمحاولة تقليده ومحاكاته حتى يشعروا بانتمائهم الى عالم القيم الاجتماعية والأخلاقية عن طريق المشاهدة التي تؤدي الى الاستجابة التي تتلاءم مع مفاهيم المجتمع المتحضر وإذا ما اكثرنا من العينات المعروضة على شاشة التلفاز فستجد الكثير من الأفلام التي تنشأ الازدواجية في الفكر طفلنا ويبدو من خلال مراقبة الطفل في علاقته الحميمة بالرسوم المتحركة وفي النتائج المرتبطة على هذه العلاقة ان الكثير من البصمات الفكرية والسلوكية لا تتلاءم مع أطفالنا فهي قد صنعت في مصانع غربية لذا فمن حق منتجيها مخاطبة أبناء مجتمعهم مراعين تقاليدهم والقيم والمبادئ التي يريدون لأبنائهم ان يشبوا عليها تطورت أساليب انتاج الرسوم المتحركة بخطى سريعة وقد تكون البداية الفعلية الاكتمال التقنيات الفنية في انتاج الرسوم المتحركة من الصور وصوت العام 1928 على يد الفنان المبدع والت ديزني اذ تم عرض اول أفلام بطولة الشخصية الكارتونية ميكي ماوس الشهيرة لقد مرت على هذا الفلم ثمانون عاما تطور فيها الإنتاج الكارتوني في العالم بشكل قفزات ليحاكي العالم الافتراضي ويرتقي لدرجة أصبحت فيه الاشكال الكارتونية أقرب منها للحقيقة الخيالية مما جعل شركات الإنتاج السينمائي العالمية تستعين بهذه الاشكال كعنصر مهم في نتاجاتها العملاقة ومع مرور كل هذا الزمن الطويل من تطور هذه الصناعة.. فلم يخطو العراق والدول العربية الخطوات الجادة في بناء البنى التحتية لصناعة الرسوم المتحركة بشخصيات وأفكار إنسانية محلية تحمل أفكارا ورؤى اجتماعية لا تتعارض مع الفكر والمعتقد الملائم لطفلنا.

ومع اعتزازنا بكل المحاولات العراقية والعربية في مجال الرسوم المتحركة لكنها ما تزال لا ترتقي الى مستويات بناء الأسس الفعلية لبناء إمكانيات متراكمة للرقي بهذه الصناعة هرميافنحن نرى اهمالا وتهميشا غير مبررين لهذا المؤثر الفكري والعقلي والتربوي في بناء جيل جديد يمثل نواة لمجتمع متحضر.

لؤي أمين