(نعمتان مجهولتان الصحة والأمان) عبارة منسوبة إلى سيد البلغاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه وآله الصلاة والسلام،وهي كلمات تعبّرعن معادلة تمثل في طرفيها ديمومة الحياة وازدهارها،فالصحة تعني النشاط الفردي الجسدي والنفسي،وفي المقابل يمثل الأمان البيئة الاجتماعية السليمة،التي تسمح بإطلاق قدرات الإنسان وطاقاته في سبيل الخير والبناء والرفاهية.

الشعور بالأمان ينبع من داخل شخصية الفرد ويتفاعل مع المجتمع،وهناك ظروف كثيرة في المجتمعات الإنسانية تهدد الأمن والأمان وتجعل الإنسان يشعر بالخوف وعدم الاطمئنان في ما يخص حياته أو رزقه أو سكنه أو عائلته أو مجتمعه،ولا شك أن الحروب والنزاعات المسلحة تجعل الأمان في مهب الريح،كما أن الأزمات الاقتصادية والكواروث الطبيعية غالبا ما تطيح بالاستقرار وتزرع الفزع في قلوب الناس! ،ويمكن أن نحدد الشعور بالأمان في مستويات عدة:

1- الأمان النفسي والإطمئنان المرتبط بالإيمان الديني والاستقرار الروحي والسلوكي.

2- الأمان الاجتماعي وهو يتعلق بالأسرة وشبكات الأقرباء والأصدقاء والزملاء والجيران وكيفية التفاعل الانساني معهم.

3- الأمان الاقتصادي والمعاشي مثل المهنة الشريفة والرزق الكريم والسكن والخدمات الضرورية.

4- الأمان الصحي من خلال توفير الرعاية الطبية والتأمين الصحي والعلاج والخدمات الوقائية لمكافحة الأمراض والأوبئة التي تهدد الحياة.

5- الأمن العام من خلال القوانين والأجهزة الأمنية التي توفر الحماية للمجتمع وتطبق النظام وتعمل على سيادة القانون والسلام في المجتمع. إذا كانت النزاعات تشهد في الأغلب مصارع الرجال،فإنها من جانب آخر تمتد في نكباتها إلى النساء والأطفال فتدمر حياتهم وتسلب أحلامهم وتحطم مستقبلهم،فيصبح الأمان أمنية مفقودة،دونها الكثير من التضحيات والخسائر المادية والمعنوية التي لا تعوض!

في مجتمعات التخلف والجهل تولد الفتاة عادة مظلومة،وتعاني من التحيز المسبق،رغم أن الشرائع السماوية،وفي مقدمتها الإسلام الحنيف، قد ضمنت الكرامة والأمان لكل البشر،دون تمييز بين ذكر وأنثى،ومن طبيعة المرأة الرقة في التكوين الجسماني والنفسي، فهي مرهفة الأحاسيس جياشة العواطف ظاهرة المشاعر، وقد تجرح قلبها كلمة أو سلوك معادي،فتعاني من فقدان لذة الحياة وهو الأمان! الأم مدرسة،كما يقول الشاعر العربي،ويمثل قلب الأم أول مرافيء الأمان للأسرة كلها،فهي القلب الحنون الذي يلوذ عند شواطئه الجميع أمام طوفان القسوة والألم والفوضى،وهي التي تزرع بذور الخير والسلام في قلوب الصغار ليكونوا في المستقبل أشخاصاً متفوقين في أخلاقهم متمسكين بدينهم وعلمهم، نافعين في المجتمع،وتلك دورة الحياة وتوارث الأجيال قيم المحبة والعمل الصالح!

ويبدأ دور الأم منذ تكون الجنين في الرحم،وإنطلاق رحلة الحياة،فصحة الأم وراحتها النفسية والجسدية ومشاعرها الإيجابية تنعكس على شخصية الوليد،وتنمو معه رضيعا وطفلاً وصبيّاً وشابّاً،ثم يكون دور الأسرة كلها في ترسيخ ملامح الشخصية وتحصينها لمواجهة ظروف الحياة الصعبة،ومن ثم تأتي المؤسسات التربوية والدينية فتضع بصماتها وتحيط الفرد بالأطر المعرفية والقانونية والقيمية والأخلاقية التي تحمي الفرد والمجتمع. لا شك أن مظاهر العنف والأزمات والدمار التي تشهدها الكثير من المجتمعات تنبع من سلوك فردي أو جماعي مصدره الاختلال في التربية العائلية وتراكم القلق والخوف في الشخصية ومن ثم تشكل الشخصية المنحرفة تهديداً خطيراً للمجتمع.

 د.محمد فلحي