(الحلقة الثامنة)

الشخصية!

إحدى أهم أركان القصة القصيرة أو وحداتها إضافة الى ما سبق أن تناولناه في حلقات سابقة هي وحدة (الشخصية) من حيث ارتباط هذه الوحدة الوثيق بوحدات الحدث والزمان والمكان والعقدة والصراع ، وحيث إن لا قيام للقصة فنياً.. بل لا يمكن تخيل نص قصصي ابداعي دون وجود شخصية رئيسية فيه، سواء أكانت مثل هذه الشخصية.. شخصية انسان، أو حيوان أو نبات أو جماد.

لكن وقبل الدخول بطرحنا الى موضوعنا لهذه الحلقة عن الشخصية أحب أن أنوّه الى إن لا وجود لوصفة جاهزة ترسم على ضوئها ملامح الشخصية القصصية، وكذلك الى ضرورة التفريق بين الشخص/ القاص، وبين الشخصية / البطل، أي بين الكائن المخلوق من لحم ودم، وبين الكائن المخلـّق على الورق، حينما يتداخل ما بينهما الواقعي بالمتخيل والمتخيّل بالواقعي.

الفرق بين الشخص والشخصية!

هناك فرق واضح بين الشخصية القصصية المتخيلة، وبين شخصية القاص الواقعية كإنسان؛ أي فرق بين الشخص والشخصية، فالشخصية قد تأخذ القليل أو الكثير من ملامح الشخص، والعكس بالعكس صحيح أيضاً.. فتغدو الشخصية تركيبة جديدة تجمع بين الواقع والخيال، والوهم والحقيقة، وتكون ملامحها مزيجاً من محاولة تقليد الواقع والحلم به.. بل بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون.

وهناك تعريف خارجي لشخصية البطل من خلال الوصف لـ( شكله الخارجي)، لكن في هذا يصعب فهم الشخصية فهماً عميقاً، ليس مثل التعريف الداخلي الذي يتم من خلاله التعاطي مع أفكاره وسلوكه ورود أفعاله تجاه المؤثرات خارجاً وداخلياً؛ أي كشف واستبطان دواخل الشخصية.

وهذه الطريقة قطعاً هي من ترسم جمالياً حدود الشخصية ومميزاتها على المستوى الخارجي والداخلي معاً، وستكون هذه الطريقة هي الأقرب الى الإقناع والواقعية.. لأنها أقرب الى روح الأدب من الطريقة الأخرى.

الشخصية حلم الشخص

هناك نوعان من الشخصية في القصة وهما: الشخصية الجاهزة وهي شخصية مسطحة لا ملامح واضحة لها، تصلح لأي قصة ولعب اي دور، والشخصية المصنوعة.. وهي شخصية نامية ومتطورة ومنحوتة بدقة يكون لها وجودها المميز، لكن الشخصية في الغالب إنما تمثل حلم الشخص أي القاص، وقد تحمل الكثير أو القليل من ملامحه الحقيقية، فهي – كما أحسب- ما كان يطمح أن يكون عليه، وهذا هو ما يعطي الأدب أهميته الاستثنائية في مثل هذا الطموح النبيل، من أجل بلوغ ما هو مثالي متقدم على الواقعي..  وسعياً مشروعاً من أجل اللحاق بركب الكمال المستحيل وادراك الحسّي الممكن، وأعني بهذا الممكن من خلال تجسيد حلم القاص في ابطال القصص كنوع من التعويض.

وغالباً ما تكون الشخصية في القصة القصيرة شخصية ذات بعد واحد وأفق ثابت، وعدم امكانية طرح تعقيداتها وتحولاتها... بحكم ضيق مساحة البناء الفني في القصة القصيرة.

إلا إنه  لا يمكن طبعاً تصور قصة بلا شخصيات, ولا وجود لحدث معزول عن الشخصية التي أحدثته, وعن طريق اندماج الشخصية بالحدث, ونمو الحدث في ظلال الشخصيات الأخرى تنبع رؤية القاص, وتنمو الشخصية وتتعمق فنياً في القصة الجيدة الناضجة, وتتسطح الشخصية وتبهت ملامحها في القصة الركيكة المفككة.

تسمية شخصية البطل

الشخصية المفترضة في القصة القصيرة قد تحمل اسما، أو قد تكتفي برمز معين، سواء كان حرفا، أو رقما، أو مجرد أن يشار اليها بضمير هو أو هي، لأن تسمية الشخوص ضرورية إذا ما تعددت في النص القصصي الواحد، ولأن دعوة شخصية باسم خاص به تشكل العنصر الأبسط في التمييز.

ولكن يجب أن تمتلك الشخصية لغتها الخاصة التي تتماشى مع وعيها ومستوى ثقافتها، أو البيئة المفترضة التي تنطلق منها، وطبعاً يشكل اسم الشخصية المركزية دلالة إضافية لا تخلو من أهمية في تتميم صورة شخصية البطل المفترضة، لكن ضروري جداً أن تكون هناك خلفية لاسم البطل وأسماء الشخصيات المساعدة.

ولكن يبقى الأكبر ضرورة هو التركيز الدلالي الموجز في اطلاق كلمات الشخصية من خلال ادراج حواراتها.. ليتماشى مثل هذا الحوار مع ما سبق التنويه له من معطيات كالثقافة والتعليم والمهنة وغيرها، فلا يعقل أن يتحاور مثلا طفل أو فلاح أو عامل بسيط بلغة الفلاسفة!، علما إن الشخصية قد تنطق بصمت احيانا عن طريق البياض، والفراغات، والعلامات والشفرات وتقطيع الحروف وادراج النقاط فقط، وغيرها من اساليب.

البطل وتعدد الأصوات

في غالب التجارب القصصية يكون هناك بطل واحد وصوت واحد  مركزي في القصة القصيرة، هو صوت البطل اذا ما استعمل القاص في سرده ضمير (أنا المتكلم)، حتى يبدو الأمر كما لو إن القصة تقترب من السيرة الذاتية، أو بضمير روي (هو الغائب)؛ أي يروي له القاص، وطبعاً ضرورة تخليق صوت آخر أو أكثر لمساندة البطل سردياً كأن يكون صديق مثلا أو أخ أو حبيب أو زميل أو شخص عابر، إضافة طبعاً لشخصيات أخرى لكنها هامشية، وستكون إما شخصيات مشاركة أو محايدة؛ أي إما شخصيات تشكل جزءاً من كينونة القاص النفسية، وإِما تكون مجرد مشجب تعليق، وبوق ينفخ القاص من خلاله هواجسه، أو من أجل بث رسائل واغراض فنية معينة يرى القاص ضرورة درجها في قصته.

إذ إن المقام  في القصة القصيرة لا يحتمل  تخليق عدة شخصيات بأبعاد مختلفة وبعدة مستويات من الوعي والثقافة والتعليم، كما يحدث في السرد الروائي مثلاً.

طالب عباس الظاهر