الزواج علاقة مقدسة مباركة، في كل الأديان والمجتمعات، علاقة شرعية بين رجل وامرأة، تقوم على المحبة والمودة والعشرة الطيبة، لتكوين أسرة جديدة، واستمرار الحياة البشرية من خلال التناسل والتكاثر، في ظل رعاية المجتمع وحماية القانون، وما أجمل تلك العلاقة الزوجية لو استمرت بإخلاص طوال العمر، كما هو الحال بين الزوجين في العديد من فصائل الحيوانات والطيور، التي تعيش الحب حسب الفطرة الإلهية، يحكمها قانون الحياة الخالد.

 ولكن ظروف الانسان المعقدة ونزعاته العجيبة جعلت من النادر دوام أية علاقة وفق سياق واحد، فهناك محطات صعبة، قد يراجع فيها أحد الزوجين أو كلاهما اختياره الأول، وقد يضطران إلى الافتراق طوعاً أو كرهاً، بعد علاقة تفتقر الحب الحقيقي، وقد يكون هناك ضحايا من الأبناء لا ذنب لهم ولا رأي في ما يجري بين الأبوين، ولذلك وصف الطلاق في قول الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه (أبغض الحلال عند الله)!

 بعد الطلاق قد يحاول كل من الرجل والمرأة خوض غمارعلاقة زوجية جديدة، حسب الظروف الاجتماعية السائدة، وهو حق مشروع وفق الدين والقانون، لكي تستمر الحياة.

ومن حكمة الخالق سبحانه وشريعة الاسلام السمحة أن أعطى للرجل حق تعدد الزوجات حتى الجمع بين أربع كأقصى حد، وإذا ما قارنا بين الطلاق والزواج بامرأة ثانية، فإن الحل الأخير يبدو أقل قسوة رغم أن الزوجة الأولى قد ترفض وتشعر بالإنكسار النفسي، في البداية، لكنه يفترض أن يكون زواجاُ مبنياً على محبة صادقة وتفاهم كامل، وليس بطراً أو نزوة جنسية، فضلاً عن وجود عذر شرعي كالمرض أو العقم أو العجز لدى الزوجة الأولى، فتظل محتفظة بكامل حقوقها وأسرتها، تحت رعاية زوج مقتدر، في حين تحصل الزوجة الثانية على فرصة للحياة الكريمة، وفق علاقة شرعية، تنقذها من وحشة الوحدة في طريق الحياة، وبخاصة في مجتمعات تفتقد الضمان الاجتماعي ولا ترحم المرأة الوحيدة، فتضعها بين خيارين لا ثالث لهما، أما الحلال أو الحرام، وبالطبع أن طريق الحلال هو الأفضل.

وفي ما يخص الرجل الذي يكون مضطراً للزواج بامرأة ثانية، فإن هذا الزواج قد يكون حصانة من التردي في مهاوي العلاقات المحرمة القذرة، وقد يكون بداية لتكوين أسرة جديدة شريفة، ومن ثم فإن الرفق والمودة يمكن أن تنمو بين الزوجتين ولا تصبحان (ضرّتين) ولكن شريكتين في قلب واحد يفيض بينهما حُبّاً وعطفاً وعدلاً، "وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة"..وكفاكم خوفاً من نسائكم أيها الرجال.

أنا شخصياً أكتب هذه الكلمات ولا أشعر بالخوف أو الخجل، فقد تزوجت بالثانية، بعد أن وفيّت وكفيّت حقوق الأولى وربيّت أربع بنات منها فأصبحن أمهات رائعات يحملن أرقى الشهادات، ووجدت في الثانية واحة جميلة للمحبة تجعل من هذا العمر رحلة تستحق أن نعيشها بسعادة وسلام.

تحية لأم بناتي رفيقة العمر في أصعب محطات الحياة، ولزوجتي الثانية التي تكتب معي حروف قصة جديدة، ولكل زوجة مخلصة محبة سواء كانت أولى أم ثانية أم ثالثة أم رابعة.. وتستمر الحياة.

د. محمد الفلحي