الحلقة الأولى 
ــ يا بركة، لا تغفلي عن ابني محمد .. 


بقيت هذه الوصية في ذهنها ولم تفارقها لحظة واحدة منذ أن مات عبد المطلب وهو يوصيها بمحمد (ص), فعزمت على رعايته وخدمته وفاء لسيدها عبد المطلب, وحباً برسول الله (ص), وأبيه عبد الله, وأمه آمنة بنت وهب.  
فاحتضنته بعد وفاة أمه فكانت له بمثابة الأم, ولازمته في السراء والضراء, وفدته بنفسها, ودافعت عنه, وضحت بولدها في سبيل الله, حتى اختاره الله لجواره وقد بشرها رسول الله (ص) بالجنة.  
ورثها النبي من أبيه وأمه, فكانت تحنو عليه وتجهد نفسها على خدمته, وقد حملته من المدينة إلى مكة بعد أن ماتت أمه في الأبواء, ولازمته طوال حياته.  
إنها أم أيمن بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن الحبشية حاضنة النبي محمد ومربيته، فكان (ص) يقول: أم أيمن، أمي بعد أمي ويقول: إنها بقية أهل بيتي وكان يزورها في بيتها. 
أعتقها النبي (ص) عندما تزوج السيدة خديجة بنت خويلد، لكنها بقيت ملازمة له وأبت فراقه, وعندما بعث (ص) بالنبوة وصدع بالدعوة الشريفة كانت أم أيمن من أوائل المسلمات بعد خديجة, وهاجرت أم أمين إلى الحبشة وقد زوّجها النبي (ص) من عبيد بن الحارث الخزرجي بمكة، فولدت له أيمن الذي استشهد يوم حُنين, ولما مات زوجها، قال رسول الله (ص):  
من سرّه أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن. فتزوجها زيد بن حارثة، فولدت له أسامة، ثم هاجرت أم أيمن إلى المدينة. 
كانت أم أيمن صلبة الإيمان ثابتة العقيدة دافعت عن الإسلام بكل ما تملك ولم تدخر شيئاً في سبيل الدعوة فقدمت ولدها وفلذة كبدها شهيداً بين يدي رسول الله في حنين.  
في ذلك اليوم الذي زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر كما يعبر عنه القرآن الكريم لهول المعركة، وشدة اشتباك الفريقين، ثبت أيمن بن عبيد ــ ابن أم أيمن ــ مع رسول الله وهو من ضمن عشرة أشخاص كلهم من بني هاشم حتى مضى شهيداً في سبيل الله، عليه رضوان الله.  
فشهد الله له بالإيمان ووصفه مع من بقيَ مع النبي وعلى رأسهم أمير المؤمنين (ع) بالمؤمنين في قوله عز وجل:   
ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين...  
والذين وصفهم الله تعالى بالمؤمنين هم من ثبتوا مع النبي وكانوا عشرة رجال فقط ! وانهزم الباقون !  
كانوا تسعة من بني هاشم, وأيمن ابن أم أيمن والذي يعد منهم لأن أمه هي مملوكة لرسول الله (ص) والذين ثبتوا في ذلك اليوم هم:  
علي بن أبي طالب (ع) وكان يضرب بين يدي رسول الله (ص) بالسيف حتى قتل أربعين رجلاً.  
والعباس بن عبد المطلب عن يمينه وهو ممسك بلجام البغلة.  
والفضل بن العباس عن يساره.  
وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ممسك بسرجه عند بغلته.  
ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب.  
وربيعة بن الحارث.  
وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب.  
وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب حوله.  
وأيمن بن أم أيمن، الذي استشهد في هذه المعركة. 


محمد طاهر الصفار