نجد في رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام) منهجية متكاملة لأسس التعامل مع الصغير, ففي نص حق الصغير وفق ما جاء في الرسالة يقول:

(أما حق الصغير فرحمته، وتثقيفه، وتعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له، والستر على جرائر حداثته، فإنه سبب للتوبة، والمداراة، وترك مماحكته، فإن ذلك أدنى لرشده...).

 

حقوق مثبتة

غرس الإمام السجاد (عليه السلام) باقة من الأمور التي يجب أن ترسخ في أرض مجتمعاتنا الإسلامية, وهي حقوق الطفل على الكبير, وهنا يتناول (عليه السلام) حق الصغير بمعزل عن كونه ابنا بل حقه بالنسبة لمجتمعه, في الشارع, في مدرسته, في أي مكان يتواجد فيه, فالأطفال يتفاعلون مع مجتمعاتهم في  ظروف مختلفة وهذه الظروف قد تكون ظروف قاهرة تولد ضغوط نفسية وجسدية عليهم, فما بين عمالة الأطفال والتشرد والعنف المدرسي وبعض الانتهاكات التي تُمارس من قبل ضعاف النفوس تضيع أحيانا حقوقهم, وتولد لديهم أثار سلبية تتراكم في نفوسهم وقد تشكل لديهم لاحقا ميول لا تتوافق مع الوضع الطبيعي للإنسان السوي, وهذا تحديدا ما تؤكد عليه الرسالة في المحافظة على الطفل من خلال ما نقدمه له من عاطفة ورعاية واهتمام لإعانته على إدراك رشده دون ذاكرة سيئة ورواسب نفسية.

 

رؤية نفسية

من خلال ما اجمع عليه علماء النفس لاسيما في مجال (علم نفس الطفل) وفيما يخص طرق التعامل مع الإنسان في بواكير عمره فأن شخصية الإنسان تبدأ منذ السنين الأولى, لذا فأن مرحلة البناء والتكوين هي من أهم المراحل فكل ما يستقبله الطفل من محيطه الخارجي سيكون له أثاره على شخصيته, سواء أثر سلبي أم إيجابي, فالرحمة بالصغير والعطف عليه وعدم التعامل معه بلغة العنف والقسوة المفرطة تجعله في مأمن عن الانحراف, وتقه من أخطار العقد النفسية وإسقاطاتها على الذات, ومهم جدا أن ندرك مدى حساسية الإنسان في هذا العمر حتى وإن لم يظهر عليه ملامح الاعتراض على أمر معين أو شعوره بالخجل في مواقف أخرى فهذا لا يعني أبدا عدم تفاعله أو إحساسه, عدم قدرته على التعبير بصورة واضحة هي السبب في جعله ضمن دائرة عدم الدفاع عن حقوقه وقصوره في المطالبة والحديث عن رغباته.

 

عقوق تربوي

تزاحمت في الآونة صور ومشاهد العنف ضد الطفل في ظروف وأماكن مختلفة, وتتباين صور العنف ما بين العنف الجسدي كالاعتداء بالضرب أو التحرش, وما بين العنف النفسي كالتحرش اللفظي والتخويف والإهانة, ومجمل هذه الصور هي من قصدها الإمام السجاد (عليه السلام) برؤيته الاستباقية للأحداث القادمة والتداعيات التي من الممكن أن تعاني منها الاجيال اللاحقة, لذا فأن من موجبات العدالة وإرساء الحقوق أن يكون للمدرسة الدور الرئيسي في تطبيق ما تتضمنه رسالة الحقوق وتحديدا فيما يتعلق بحق الصغير, كونها تمثل الدور التربوي قبل التعليمي, ولأنها المسؤول الأول على رسم المنهج الصحيح لسلوك الصغار, ومن المؤسف أن يكون لبعض التربويين في أكثر من مدرسة دور سلبي جدا وفيه صورة واضحة لهدر الحقوق وأغلاق منافذ المعرفة في وجه الطفل بعد ارتكابه لتصرفات لا تتناسب مع كينونة ومرحلية هذه الأعمار مما يؤدي إلى فشله في تأدية أهدافه التربوية, وحديثنا هذا ما يخص المؤسسات المعنية بحماية الطفل؛ لكن ثمة انتهاكات أخرى تمارس ضد الطفل وخصوصا في شرائح المجتمع الفقيرة وهي ظواهر إرغامه على التسول وحثه على ارتكاب الجرم لجني الأموال, وتعريضه للخطر لأسباب أخرى, ودورنا لابد أن يكون فعال في مواجهة هذه الممارسات فهي بالتأكيد تشكل خطر يوازي خطر الإرهاب والقضاء عليها ضرورة مجتمعية ووطنية.

إيمان كاظم