كَما لو كان سهمُ صيادٍ ماهرٍ حينما ثقب ذلك الخبر فؤادها فاهتزت مهجتها كأرض بلغها قطيع ثيرانٍ هائجٍ، صرخت نازفة دمعا ساخنا ألهب وجنتيها، همت راكضة باتجاه الباب متمنية الهرب لتهيم روحها بالعدم، امسكنها النسوة المجتمعات في دارها حاولت التملص منهن بكل قوتها حتى خفتت روحها وراحت تنادي عليه ليخلصها توسلت به ليأخذها معه: ولدي خذني معك، ولدي خذني معك.

 دوى البيت بكاءٌ ونحيب ونسج مع توسلاتها ترنيمة فجع شجية، بنظرة معاتب رمقت  السماء ولكن قلبها المؤمن تدفقت منه الكلمات: الهي الهمني الصبر الهي صبّرني بصبر سيدتي زينب الهي.....  وقبل أن تكمل عبارتها طبقت أجفانها وانفلتت روحها لعالم المنام، وجدت نفسها ممددة على فراشها كأنها عليلة ويدٌ ناصعة البياض تحمل  كأسا فضيا وتسقيها  ماءٌ عذبٌ رويدا رويدا حتى سكن الألم ونامت الأوجاع.

سنتان انقضت  ولم يفارقها شعور ذلك الحلم وكلما انكفأت على قبر ولدها الشهيد والتهب قلبها حزنا وعلا نشيجها وبكائها وأحرقتها نيران الفراق تذكرته ليهبها  صبرا وسكينة من جديد.

اخلاص داود