الحلقة الخامسة.. (الجهل)

ندور في حواراتنا مع النفس في دائرة تتسع كل لحظة, نحاول جاهدين أن نكبح جماح سيطرتها علينا, ننجح تارة ونفشل في أخرى ونحن نتواجه في مضمار صرع الرغبات, والغاية هي تسييرها بل وترويضها حينما تحثنا على التصرف بما يتلائم واهواءها, وسلاحنا في مجاهدتها هو العقل الواعي, وتدبرنا قبل وبعد كل تصرف لدراسة أبعاده.

كثيراً ما أتساءل بيني وبين نفسي  هل إني أحسب من أهل الجهل أم لا! أم إني من أهل العلم ؟؟؟

وفي كل مرة  نفسي  تحسم الأمر أذ تجيبني على تساؤلي ببعض الكلمات المطمئنة إذ تقول لي إنك قرأت العديد من الكتب المتنوعة, وحضرت الجلسات والمؤتمرات فكل ذلك  حتماً يجعلك في منأى عن أهل الجهل  وتسنمك المراتب الرفيعة التي يتمتع بها كل عالم !

وبقيت فترة معتد بها أعيش في نشوى كلامها إذ جعلتني أعتقد إني بمأمن من الجهل !

والحقيقة أني لم أطمئن حد اليقين في حديثها لي فعزمت أن أبحث عن هذا المفهوم بنفسي وفعلا بحثت في بعض الكتب واستفسرت من أخصائيين وتوصلت إلى أن تعريف  الجهل عند المناطقة هو عدم العلم و له معنى آخر وهو خلو النفس من العلم ..  والجهل على  نوعين  الأول : البسيط وهذا النوع خلو النفس من العلم  مع إذعانها بالخلو أي أن الفرد الجاهل لا يعلم ويعلم إنه لا يعلم  وسمي بسيطا لأنه جهل واحد  ويرفع بكسب العلم .. والثاني :هو خلو النفس من العلم وإذعانها لما هو خلاف ذلك .. أي من فيه هذا النوع من الجهل لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم مع ادعائه بالعلم !

وسمي مركب لأنه مركب من جهلين الأول الجهل بالواقع والثاني جهله بهذا الجهل !

وحقيقة وجدت هذا النوع يعد من أشد الأمراض التي تصيب النفس وتحديداً يصيب القوة العاقلة من النفس ويصعب معالجته؛ لأنه معتقداً بنفسه عالم ولربما تسيد كم من الأتباع وأكدوا له أنه من العلماء العارفين بحقائق كثيرا من الأمور !

فمن الصعب إذعانه بأنه لا يملك ما يدعيه حتى يهبط إلى البسيط ويرفع بالعلم..

بعد ما عرفت تلك التفاصيل  اصابتني الرهبة ورجعت لنفسي التي طالما أوهمتني بأني في مأمن من هذا الدرن, فأنبتها على ما كانت تحدثني به, والحق لابد من الحذر من هذه الصفة أو غيرها من الصفات التي تبعدنا عن الوصول إلى المعرفة الحقة وتباعا فالحظوة بمرضاة الله, فما تأمرنا به أنفسنا غالبا ما يكون مخالف لأوامر الله ونحن نعلم بذلك أو صرنا نعلم به, والنتيجة التي لا جدال فيها (لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).

أحمد الزبيدي