تطوف الذكريات حدود تلك البقعة التي ترادف أسمها مع الجنة لتكون جنة الله على أرضه. كربلاء مذ وجدت ذات فاجعة وحينما تناهى إلى مسامع الضمير الإنساني صهيل الخيول, وعويل اليتامى, وأنين المخدرات, واضطرام الخيام بنيران الحقد, والضحكات الشامتات؛ وهي تلوح للعالم أجمع كل عام بتجديد الذكرى وإعلان أسطورة الأربعين بإحصاء عدد الخطى التي لا تنفك عن الحث صوب القباب ومآذن الخلود التي أقامت صلاة العشق لتصلي الأرواح مجتمعة عقب وضوؤها بالدمع.


كربلاء موطن الوافدين...
ربما لن يهتدي أحدا لإدراك سر كربلاء ولا سيما المشهد العظيم في فترة الزيارة الأربعينية. وكيف تحتضن هذه الأرض ملايين الوافدين مما يفوق سعتها واستيعابها ألا إن العجب غير وارد في هذا التساؤل كون القضية مرتبطة بسبط الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) فذا الحسين (عليه السلام) الذي لولا دماءه لما كان لدين جده المصطفى ديمومة في قلوب المؤمنين. إذ مهر الحسين بدمه وثيقة الرسالة السماوية ليحفظها من الزيف ويرسم للتاريخ لوحات الإيثار والجود بالنفس.
فكيف لا ينبض العشق باسمه؟ وكيف لا تشرع البيوت أبوابها لأحياء ذكره؟ وكيف لا تخرس الأصوات الحاقدة حينما تتوحد نداءات التلبية بألف ألف لبيك يا حسين!
وكيف لا تكون كربلاء الموطن الذي يؤمن لوافديه الضيافة بالكرم المعهود لآل البيت (عليهم السلام) حيث تفتح مدينة الحسين أكفها لتحتضن كل عاشق وطأة قدماه أديمها وأثارت خطاه غبارها ليعلق على الأجساد فيستحيل نورا يوم لا ينفع إلا العمل وشفاعة محمد وآله.


زيارة الأربعين هالة كونية...
من يتابع أحداث زيارة الأربعين عن بعد لن يقتفي أثر الحقيقة ففي كل شبر من أرض كربلاء ثمة درس, وصور توقظ الضمائر المغيبة, وقيم بعمق الغاية الوجودية للإنسان على الأرض, حيث أن ما تراه لا يتكرر إلا في موسم العزاء فزخم العطاء, والتنحي عن ملذات الحياة, وتوحيد الجهود لإداء مراسم الحزن, والانعتاق للخدمة بمنتهى الرفعة والتواضع, وتوثيق معاهدة السلام التي أرسى قواعدها رسول السلام بدمه الطاهر ما هي إلا دلائل ومصاديق تنص على انتصاره السرمدي الذي منح للكرامة حروفها, وللعقيدة شرعها, وللحياة صفتها, ولكربلاء رمزها الذي رسمت ملامحه زيارة الأربعين.

 

إيمان كاظم الحجيمي