قد تراءت لك الآن شمعة في صينية حنة في حفل زفاف قريبك، و لربما تراءت لك أيضا شمعة في كعكة عيد ميلاد ابنك الأول، تراءت لغيرك شمعة في صينية حنة أيضا في مجلس عزاء لتوديع ضنىً عزيز، بل هي هناك.. على نهر العلقمي في ليلة الخامس عشر من شعبان، و هي على طاولة جدتي تحكي حكاية بعمر شمعة، قد تكون لا زالت على الرصيف حيث أقيم تأبين لذكرى الشهداء، و قد تكون تحت يد عاشق تلسعها بنيرانها علّها تواسي نار قلبه المحرقة، بينما هي أداة لفتاة لم تجد شيئا تدافع به عن نفسها سواها، و في مكان ليس ببعيد هي أمل لحياة مشرقة، و أما عندي هنا فهي مصدر للدفء و الضوء في أمسية عائلية مليئة بعبق الذكريات عقب انقطاع الكهرباء فجأة..

هي كلمة واحدة يجتمع عليها كل العالم بمختلف اللغات لكنها أوحت بكثير من الأشياء، فكلٌ قد رأى ما رآه و حيث يعود ذلك لعوامل عديدة كالذكريات و أول تعارف مع الشمعة و أكثر موقف مؤثر كانت الشمعة حاضرة فيه و ما سُمع عن قصص كان للشمعة دور مؤثر فيها و ما تمثّله عند تلك الشعوب، و كنتيجة فإن الاختلاف فينا متجذر و ما يفرقنا كثير من الأشياء.

لا تجمعنا رؤية واحدة عن مفهوم الحب مثلا.. و لا ننظر بعين واحدة لبنطال الجينز الذي أراه باللون النيلي و تراه أختي باللون الكحلي! إن بينهما اختلافا عميقا.

قد أضحك على زميلٍ عندما يتعثر بفتح باب القاعة حين تحزن صديقتي على ما أصابه من حرج أو أذى، ردود افعالنا ليست متشابهة، قد أرسب و ينجح زميلي، جهدنا غير متساوٍ،

نختلف بطباعنا، و أفكارنا، و معتقداتنا. ليس هناك ما يجمعنا أبدا، فها نحن نختلف على كل شيء!

و لكن لحظة!

كيف لضدّين أن يجتمعا؟!

اجتمع في الشمعة الأمل و اليأس؟ الموت و الميلاد؟ الحب و الكره ؟ الحرب و السلام؟ الماضي و المستقبل؟ التجمع و التفرد؟

أليس عجيبا!!!

و لكن أين الشمعة من كل هذا؟

أهي كل هذا.. و قد خلقت من أجل كل هذه المواقف.. أم هي شمعة فقط.. مجرد شمعة.. لا علاقة لها بإسقاط أذهاننا لكل هذه الصور عليها و لا ارتباط لها بما في أنفسنا منها..

ثم ما شأن العالم بما تعنيه الشمعة لنا.. إنما هو رأي شخصي و لن يغير من حقيقة الشمعة شيئا، و لكننا جميعا متفقون على أن هذه التي قد تقصر أو تطول، قد تعرض أو ترفع، قد تتلون أو تبقى بالأبيض، التي تذوب بإشعال فتيلها، إنما هي شمعة، تعطي كل نورها و تذهب، و تعني شيئا ما لنا أو عدة أشياء، و بينما هي ذاتها قد جمعت عدة أضداد سوية, ألا يكفي كي نتفق على هذا القدر؟

 

نور جوهر