"أبني طفل طبيعي ولا يعاني من مرض خطير كل ما في الأمر إنه هادئ وخجول" هذا ما قالته والدة أحد الأطفال المصابين بمرض التوحد قبل أن تتأكد من حقيقة تشخيص حالة ولدها البالغ من العمر ثلاث سنوات, فبعد ملاحظة ملامح الخطر على تصرفاته من قبل الأقارب والجيران لجأت إلى أختصاص طب أطفال كونها من الصعب أن تصدق أو تستوعب أن تصرفات طفلها الانعزالية وعدم تركيزه هي مرض قد يكون خطيرا جدا في حال عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة في أسرع وقت.


تقدم لكم واحة المرأة بالتعاون مع مستشفى زين العابدين بعض الحقائق عن هذا المرض وكيف يمكن تشخيصه وهل يوجد علاج شافٍ؟ والأهم هو إمكانية تجنب الإصابة به؛ وذلك حسب استمارة اضطراب طيف التوحد الطفولي وفق المعايير الصادرة من الجمعية الأمريكية للطب النفسي والمعتمد حاليا DSM-5 لسنة 2014 والتي يجب أن تتضمن الفقرات أ – ب – ج - د.
الفقرة أ : التوحد هو قصور نوعي مستمر في تكوين العلاقات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي (غير معني بتأخر النمو العام) وتشمل هذه الفقرة ثلاث نقاط رئسية لابد من توافرها لتثبيتها:
1- عجز في التبادل الاجتماعي والانفعالات العاطفية مع الآخرين من خلال سرد الكلام.
2- عجز في السلوك غير اللفظي في التواصل الاجتماعي (حركة اليدين, الحملقة بالعين, الإشارة, الوضع الجسدي و.......).
3- عجز في اقامة علاقات اجتماعية مع اقرانه والاحتفاظ بها.
الفقرة ب : السلوك التكراري المحدد والمرغوب والتي تظهر في الاعراض الأربعة الاتية (توفر سلوكين على الأقل لتثبيت الفقرة ب)
1- كلام نمطي متكرر أو حركات عضلية أو استخدام الاجسام.
2- الالتصاق الزائد في اداء سلوك روتيني, شعائر, طقوس لفظية وغير لفظية مع صعوبة تغييرها.
3- الاصرار الشديد غير الطبيعي في اهتماماته (جمع اشياء مهملة والاحتفاظ بها طول الوقت مثل لعب اطفال, دمى وغيرها من الاشياء حتى غير المخصصة للعب.
4- استجابات غريبة للإثارات الحسية البيئية (افراط, اهمال, انسجام)
الفقرة ج : يجب أن تكون الاعراض موجودة في مرحلة الطفولة المبكرة (الستة أشهر الثانية) ولكن قد لا تصبح ظاهرة بشكل كامل حتى تتجاوز المطالب الاجتماعية قدرات محددة.
الفقرة د : وجود اعراض محددة مع ضعف وقصور في اداء الواجبات اليومية.
اسباب غير مثبتة
ما تقدم من المعايير هي للتشخيص فقط؛ إذ لا تعد تفسيرا علميا صريحا لسبب ظهور طيف التوحد على الطفل, فما زالت الأبحاث تتهم أسباب كثيرة مثل بعض اللقاحات التي تكون في عمر سنة أو سنة ونصف, أو بسبب المعادن, أو الحمية الغذائية للأم أثناء الحمل؛ لكن كل هذه الاسباب غير مثبتة علميا ولم يتم التصريح بدليل يفسر طبيعة هذا المرض بصورة دقيقة بالرغم من تزايد معدل الاطفال المصابين به في الآونة الأخيرة في مختلف انحاء العالم, ومن المهم أن يتم نفي أي سبب مرضي يرجح التأخر العقلي أو التخلف عند الطفل لأن أسباب هذه الأمراض يمكن تشخيصها علميا كقصور الغدة الدرقية أو مشاكل نقص الأوكسجين عند الولادة أو اليرقان وغيرها, كما لكل حالة علاج محدد, أو يكون تخلفا بسبب نقص أو ضمور وغالبا ما يرتبط بأسباب وراثية وجينية وهذه الحالات علاجها صعب جدا, أما التوحد فترجح بعض التفسيرات إن هذا المرض المعاصر هو نتيجة لجملة من الانماط الاجتماعية والصحية الخاطئة التي تؤدي بشكل أو بأخر إلى ظهور شبح التوحد, ومنها ترك الطفل لساعات عديدة أمام الشاشة التي ترسم له من خلال افلام الرسوم المتحركة عالما افتراضيا جميلا وساحرا له من القدرة بأن يسلب عقل الطفل ليحيا تفاصيله بالانفصال عن الواقع تدريجيا.
ومن المهم أن نشير إلى ضرورة فتح مراكز متخصصة في علاج التوحد, فبعض الخدمات الطبية والنفسية التي تقدم للمصاب تزيد من نسبة تحسنه بشكل ملحوظ وسريع, إذ لا يمكن الاعتماد على الاهتمام به في البيت لتفعيل قدراته على التواصل الاجتماعي, وهو ما أكده مشروع مركز التوحد برعاية العتبة الحسينية المقدسة, فالنتائج الجيدة التي وصل لها هذا المركز وفروعه في عدد من المحافظات مع مجموعة كبيرة من المصابين عن طريق مساعدتهم على الاندماج والتفاعل دليل على ضرورة إقامة ودعم المراكز التخصصية لمرضى التوحد.

 

د. فاطمة فوزي / اختصاصي الأطفال في مستشفى زين العابدين