تأمُلٌ في دعاء اليوم السابع من شهر رمضان المبارك

(اَللّهُمَّ اَعِنّي فيهِ عَلى صِيامِهِ وَ قِيامِهِ، وَ جَنِّبني فيهِ مِن هَفَواتِهِ وَاثامِهِ، وَارْزُقني فيهِ ذِكْرَكَ بِدَوامِهِ، بِتَوْفيقِكَ يا هادِيَ المُضِّلينَ)

 

الإعانة الآلهية

حتماً ان العبد لا ينفك عن الحاجة إلى سيده ومولاه، سواء في الأمور الصعبة أم البسيطة، لأنها عند الخالق عز وجل سواء، فلذا في كل يوم المؤمن يطلب الإعانة من الله عز وجل ما لا يقل عن عشرين مرة في صلواته اليومية الواجبة، قائلاً : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة – ٥]، والظاهر أن الإعانة من قبيل الرحمة أي إنها ليست حصراً بالمؤمنين، أي هناك إعانة عامة وإعانة خاصة؛ بل الإعانة هي وجه من وجوه الرحمة الآلهية، كما ورد  في زيارة أمين الله  : (وَالاِعانَةَ لِمَنِ اسْتَعانَ بِكَ مَبْذُولَةٌ) فليست الإعانة بمقيدة لأحد دون آخر، نعم هنالك عامة لجميع الخلق، وخاصة بالمؤمنين، والذي يهمنا هنا هو الإعانة الخاصة بالمؤمنين.

 

ولكن توقفنا آية كريمة يرى في الوهلة الأولى أنها تعارض المقطع الأول من الدعاء، يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[البقرة – 153]، على تفسير أن الصبر هو الصوم، وذكر في الدعاء (اَللّهُمَّ اَعِنّي فيهِ عَلى صِيامِهِ وَ قِيامِهِ)، فيكون المعنى في الآية توجيه الخالق للمؤمنين بأن يستعينوا بالصوم والصلاة، وفي الدعاء المؤمن يطلب من الله الإعانة على الصوم والصلاة.

فهل هنالك تعارض بينهما؟ مع التأمل لا تعارض؛ لأن الصوم والصلاة تعين المؤمن على غيرهما من موارد الحاجة إلى الاستعانة، والعبد يطلب الإعانة على الصوم والصلاة.

 ولكن هل الصوم والصلاة تعتبر من الأمور الصعبة التي يحتاج فيها العبد إلى المعونة للإتيان بها؟ نعم؛ لأن المقصود بالصوم والصلاة هنا ليس مجرد الامتناع عن الطعام فقط، أو الإتيان ببعض الحركات مع بعض الكلمات، بل الصوم الحقيقي هو صوم الجوارح والجوانح وتحصيل تمام فضل الصوم الذي يترتب عليه الأثر، وكذلك الصلاة، فقد ذكر الشيخ عباس القمي في مفاتيحه عن جابر بن يزيد عن الباقر عليه السلام قال : قال النّبي صلى الله عليه وآله لجابر بن عبد الله : (يا جابر هذا شهر رمضان مَن صام نهاره وقام ورداً من ليلته وصان بطنه وفرجه وحفظ لسانه لخرج من الذّنوب كما يخرج من الشّهر) ، قال جابر : يا رسول الله  ما أحسنه من حديث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : (وما أصعبها من شروط). نعم ما أصعبها لذلك قد طلب في الدعاء المعونة عليها، وفي حديث آخر سمع رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله بطعام فقال لها : كُلي ، فقالت : أنا صائمة يا رسول الله ، فقال : (كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟! انّ الصّوم ليس من الطّعام والشّراب، وانّما جعل الله ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول، ما أقلّ الصّوم وأكثر الجّوع)[مفاتيح الجنان - فضل شهر رمضان] وهذا الحديث يوضح كيف يعين الصوم والصلاة المؤمن كما جاء في الآية الكريمة (استعينوا بالصبر والصلاة) لأنها حجاب عن المعاصي.

وأيضاً ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: (كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَالظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ وَ الْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الْأَكْيَاسِ وَإِفْطَارُهُمْ!)[نهج البلاغة - الحكمة 142]

 

(وَجَنِّبني فيهِ مِن هَفَواتِهِ وَاثامِهِ)

الهفوة هي السقطة والزلة، والذي يظهر مما تقدم من الروايات الشريفة أن المقطع المقطع الأول متوقف على تحقق المقطع الثاني، وهو تجنب الزلات والآثام، وقد ذكرنا في الدعاء السابق بعض آثار المعاصي والذنوب.

 

(وَارْزُقني فيهِ ذِكْرَكَ بِدَوامِهِ)

ذكر الله عز وجل

وهو باب واسع؛ لأنه المجال اللا متناهي بين العبد والخالق،  كما ورد عن الإمام علي عليه السلام : "المؤمن دائم الذكر ، كثير الفكر"، ومن أعرض عن ذكر الله ستكون معيشته ضنكا، وأما عن فضله وفوائده فقد وردت مئات الروايات الشريفة.

 

فوائد ذكر الله عز وجل

نذكر بعض فوائد ذكر الله عسى أن تلين قلوبنا وتتعلق بذكر الله ودوامه، فمن بين عشرات الروايات الشريفة عن المعصومين عليهم السلام اختصرنا فوائد ذكر الله عز وجل في ما يلي:

(ذكر للمؤمن في السماء، نور له في الأرض، طيب الله ذكره، مفتاح الصلاح، حياة القلب، نور العقل، جلاء الصدور، حسنت أفعاله في السر والجهر، غذاء الروح، مجالسة للمحبوب، جلاء البصائر، نور السرائر، هداية العقول، وتبصرة النفوس، يؤنس اللب، يستنزل الرحمة، تستنجح به الأمور، شفاء القلوب، مفتاح الانس، يؤنس الضمائر، ينير البصائر، دعامة الإيمان، عصمة من الشيطان، أمان من النفاق ، براءة من النار ، تذكير لصاحبه عند كل خير يقسمه الله جل وعز، له دوي تحت العرش)

 

فالخلاصة:

أن تمام الصيام والقيام والحصول على فضلهما الذي يترتب عليه الأثر من أصعب العبادات التي يحتاج المؤمن فيها إلى معونة الخالق. أن الوصول إلى تمام الصيام والقيام متوقف على تجنب المعاصي والآثام. أن ذكر الله عز وجل هو الرزق الأكبر الذي يحصل المؤمن فيه على فوائد الدنيا والآخرة.

 

(بِتَوْفيقِكَ يا هادِيَ المُضِّلينَ)

 

إبراهيم السنجري

مؤسسة الإمام الحسين عليه السلام للإعلام الرقمي

gate.attachment