اضواء على الاسس الفكرية لثورة الامام الحسين (عليه السلام) في الجانب الديني(الحلقة الاولى)

ان القاعدة الفكرية الاساسية التي انطلق منها الامام الحسين في ثورته، بينها حينما صمم على القيام بحركته التغييرية في المجتمع الاسلامي، فبدأ بتوضيح تلك القاعدة الفكرية التي انطلق منها، وحدد منهجه واهدافه عليها.

اذ كانت هذه القاعدة الفكرية متجسدة في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية:"  ان الحسين يشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وانى لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبى طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد على هذا أصبر حتى يقضى الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين وهذه وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب"([1]).

تبين هذه الوصية القاعدة الفكرية والرؤية الكلية لثورته التي انطلق منها الامام "عليه السلام" فقد تضمنت اصول الاعتقاد في الاسلام:" التوحيد، والنبوة، والامامة" وفروع الاعتقاد في الاسلام منها:" الامر بالمعروف والنهي عن المنكر"، فإيمان الامام الحسين "عليه السلام" بهذه الاصول والفروع هو الذي حتم عليه القيام بنهضته الاصلاحية، حفاظا على هذه الاصول والفروع لتبقى فاعلة في حياة الامة الاسلامية حتى لا تفقد العقيدة معناها الصحيح([2]).    

يمكن القول، ان تركيز الامام الحسين"عليه السلام" على التوحيد في الاسلام في عهد معاوية وابنه يزيد كان له بعداً دينياً مهما، حيث ان معاوية بن ابي سفيان عمل على زعزعة فكر الامة من خلال ايجاد خطوط فكرية دخيلة على الفكر الاسلامي، على سبيل المثال لا الحصر "العقيدة الجبرية وعقيدة الارجاء"، وهذا ما نلاحظه في خطابات يزيد بن معاوية مستكملاً سياسة ابيه بهذا المجال، اذ اكد عند اول يوم تسلمه لمنصب الخلافة قائلا:" الحمد لله الذي ما شاء صنع، من شاء أعطى، ومن شاء منع، ومن شاء خفض، ومن شاء رفع. إن معاوية بن أبي سفيان كان حبلاً من حبال الله، مدّه ما شاء أن يمدّه، ثم قطعه حين شاء أن يقطعه؛ وقد وليت بعده الأمر، ولست أعتذر من جهل، ولا أني عن طلب؛ وعلى رسلكم، إذا كره الله شيئا غيّره وإذا أراد شيئا يسّره"([3]).

بالإضافة الى ان الامام الحسين "عليه السلام" ركز في وصيته على اصل النبوة التي تمثل عملية الاتصال ما بين الله والعباد، وعملية التوجيه والهداية التشريعية في حياة العباد، فالنبي هو واسطة السماء لهداية الارض، مع ذلك فقد تعرضت الشخصية النبوية المحمدية الى محاولة المساس بقداستها وابراز شخصية النبي الاكرم "صلى الله عليه واله" بصورة الانسان العادي، كذلك وصل الامر الى الافتراء عليه وتلفيق الاحاديث عنه وتصديع كيانه، وذلك ليزرعوا في ذهنية الامة ضعف الارادة وتخديرها بأساليب وافكار ضمن اطر دينية مغالطة للمبادئ الاصيلة للدين الاسلامي.

انطلاقاً من ذلك تصدى الامام الحسين "عليه السلام" بخروجه على السلطة لهذه الحملة الاموية الطمس معالم شخصية ومكانة الرسول" صلى الله عليه واله" فاعلن بعد توحيده بالله تعالى، تمسكه بحرفية سيرة الرسول" صلى الله عليه واله"  وسنته العملية واحيائها في حياة المسلمين وعدم التنازل عن شيء منها ، فضلا على ذلك عمل بكل وسعه للحفاظ على شخصية الرسول ومكانته ومنزلته فكان في الساحة الاموية سيرة اخرى غير سيرة النبي الاكرم "صلى الله عليه واله" ، حيث كادت ان تختزل كلياً -سيرة النبي- بفعل السياسة الاموية وتخطيطها لمحو شخصيته وسيرته.

فقد وقف الامام الحسين بقوة امام محاولات معاوية لطمس شخصية الرسول الاكرم "صلى الله عليه واله" من خلال تحريفه الاحاديث عنه، واماتة سنته بأحياء البدع، وقتل اصحابه لكي لا يستمرون ببث سيرته والعمل بمقتضاها على حسابه وحساب الامويون عموما.

 فقد واجه الامام الحسين (عليه السلام) معاوية مدافعا عن الاسلام وعن نبيه محمد " صلى الله عليه واله" فقد واجه "عليه السلام" معاوية حينما اراد منه البيعة لولي عهده يزيد مذكراً اياه تماديه بهذا الموضوع ، اذ كان معاوية يلبس موضوع توريث الحكم لباساً دينياً مستغلاً اسم النبي محمد "صلى الله عليه واله" بالثناء عليه والحفاظ على دينه، اذ قال الامام الحسين "عليه السلام" : " ... يا معاوية فلن يؤدي المادح وان أطنب في صفة الرسول من جميع جزءا، وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله من ايجاز الصفة، والتنكب عن استبلاغ النعت، وهيهات هيهات يا معاوية !!فضح الصبح فحمة الدجى، وبهرت الشمس أنوار السرج ولقد فضلت حتى أفرطت، واستأثرت حتى أجحفت، ومنعت حتى بخلت، وجرت حتى جاوزت، ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب، حتى اخذ الشيطان حظه الأوفر، ونصيبه الأكمل"([4]).  يبدو الي ان الامام الحسين "عليه السلام" فضح معاوية لاستخدامه اسم الرسول الاكرم "صلى الله عليه واله"  في تحقيق مآربه السياسية، بهذا التوصيف الدقيق فبعد ما بلغت الاوضاع الدينية الانحدار وخاصة تحريف السنة النبوية في كافة الاتجاهات .

 في الوقت نفسه، وقف الامام بوجه معاوية عندما نقضه لسنة الله ورسوله ذلك عندما استنكر عليه استلحاق زياد الى ابيه ابي سفيان، اذ قال "عليه السلام" لمعاوية :" أو لست بمدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف؟ فزعمت أنه ابن أبيك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر، فتركت سنة رسول الله صلى الله عليه وآلة  تعمدا وتبعت هواك بغير هدى من الله" ([5]).

وعليه ان الامام الحسين "عليه السلام" صان بثورته في جانبها الديني محاولة معاوية ويزيد تفكيك شخصية النبي الاكرم "صلى الله عليه اله"  في سائر المجالات من حيث الافتراء والتقول عليه ونقض سنته وقتل اصحابه، اذ ركز الامام "عليه السلام"  على المعاد وهو من الاصول الثابتة في الاسلام  وبدون المعاد تصبح الشرائع مسالك بشرية لا تمت الى الله تعالى بصلة، ولذلك شدد الامام الحسين على اهمية المعاد في اساس ثورته اذ قال:"  وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور" يمكن القول ان الامة في عهد معاوية اصبحت منهارة دينيا، لان الحكم غايته السلطة لا اقامة العدل في بلاد الله، فأصبحت الامور الاعتقادية للحاكم لا قيمة لها ولا قدسية لها، وبذلك عاش الحكام والرعية حال الانفصال بين دعواهم وايمانهم بالإسلام وعدم مصداقية الايمان بالمعاد، فقد وصفهم الامام الحسين " إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ‏ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ" ([6]). هذا التشخيص للأمام "عليه السلام"  لأمور الناس واحوالهم وواقعهم، يعد بغاية الدقة فالناس يحملون دعوى التدين بالإسلام في نطاق تحقيق مصالحهم المادية والشخصية، وتتكشف حقائقهم عند الاصطدام باي واجب شرعي تكون مكاسبه وثماره اخرويه يوم القيامة فيبرز تقاعسهم اتجاهله. حيث هنا تبرز اهمية تأكيد القاعدة الفكرية لثورة الامام الحسين بأحد اسسها الا وهو تثبيت مبدا المعاد  وتذكير الامة والسلطة به، وان الامام ملتزم بهذا الاصل الاعتقادي.  وهذا ما اكده الامام "عليه السلام" لجيش عمر بن سعد عندما عمل على تشخيص الواقع المتناقض الذي تعيشه الامة الاسلامية في عهد معاوية ويزيد مع مبدا الرسالة الاسلامية "المعاد" فقال لهم :" فقبحا لكم، فإنما أنتم من طواغيت الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرفي الكتاب، ومطفئ السنن، وقتلة أولاد الأنبياء، ومبيري عترة الأوصياء، وملحقي العهار بالنسب، ومؤذي المؤمنين، وصراخ أئمة المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين" ([7]).

حيث ان الامام الحسين" عليه السلام" عمل على تجسيد مبدا المعاد بثورته تجسيداً حياً اذ عرض نفسه واهله للقتل من اجل حماية الاسلام، وايمانا منه انه ملاقي ربه وهو سعيد لوقوفه بوجه يزيد بن معاوية فقد عبر عن هذه الحقيقة في قوله:" ان هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما "([8]). قد آثر الامام الحسين "عليه السلام" اليقين بالآخرة واشتياقه للقاء ربه لان محيط مجتمعه اصبح عبارة عن بيئة مليئة بالانحرافات والفساد والظلم، مع عدم قدرته الانية على التغير هذا الواقع بشكل كامل ، فهو يعرف ان مصيره الشهادة  لذلك فقد فضل الموت على الحياة .

كما اكد الامام في ثورته على اساس فكري مهم في الجانب الديني لهذه الثورة، متمثل بتركيزه على ان سيرة ونهج الامام علي "عليه السلام" هي امتداد طبيعي لسيرة ونهج الرسول "صلى الله عليه واله" قائلا :" وأسير بسيرة جدي وأبى علي بن أبى طالب" ، فأبيه امام وخليفة وواجه عمليه السب والشتم المنظم بدلالات واغراض سياسية وشخصية من معاوية بن ابي سفيان، على الرغم من مكانته في الاسلام. لذلك جاء بيان الامام الحسين "عليه السلام" متضمنا تاكيده على ابراز مكانة ابيه وعلاقته بالرسالة الاسلامية ودوره فيها.

هكذا نرى ان الاساس الفكري المتعلق بالجانب الديني في ثورته "عليه السلام" قد تكامل بمناقضة انحرافات ومؤاخذات الاوضاع الدينية كافة التي سادت ابان حكم معاوية ويزيد ، وذلك فان المسؤولية الدينية قد تحققت في ثورته اذ كانت حركته التغيرية مرتبطة بالله تعالى لان اول اسسها الفكرية هو الارتباط الالهي بالثورة ومحاربة الانحرافات الحاصلة في الاوضاع الاسلامية ايام حكم معاوية ويزيد.

وعليه ان الاساس الديني كان من اهم الاسس الفكرية للإصلاح السياسي عند الامام الحسين "عليه السلام" لأنه ادرك ان الدين الاسلامي حرف تحريفاً واسعاً من قبل السلطة الحاكمة وبذلك يمكن القول انه تيقن أن تصحيح وحفظ الرسالة لا يمكن ان يحدث بالوعظ والارشاد وطرح المبادئ السليمة ما دام السلطة تعمل على تفكيك روح الاسلام وشخصية النبي الاكرم "صلى الله عليه واله"، ولا يمكن ان يوقف هذا التيار الا بالمواجهة المباشرة ، ليهز ضمير الامة ويوقظها، ولذلك فهو اعتبر نفسه المسؤول الاول عن انقاذ دين جده رسول الله "صلى اله عليه واله" من مخالب الطغاة.    

الكاتب: م.م جعفر رمضان

([1]) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار الجامعة لدرر اخبار الائمة الاطهار، ج44، ص 329-330

([2]) حبيب ابراهيم ، قراءات في بيانات الثورة الحسينية وابعادها الرئيسية، مؤسسة الاسلامية للبحوث والدراسات والمعلومات، 2002، ص18-19.

([3])  ابن عبد ربه الاندلسي ، العقد الفريد، ج5، ص146-147. 

([4])  ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة، ج1، ص159-160

([5])  الشيخ الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ج1، ص255.

([6])  ابن شعبة الحراني، تحف العقول فيما جاء من المواعظ والحكم عن ال الرسول ، ص245.

([7])  محمد باقر المجلسي ، المصدر السابق، ج45، ص8-9. 

([8] ) شمس الدين محمد بن احمد الذهبي، تاريخ الاسلام، ج 5، ص12-13. 

gate.attachment