الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 1/ربيع الاول/1440هـ الموافق 9 /11 /2018م :

في هذه الخطبة الثانية نتعرض الى موضوع مهم ألا وهو ما هي مقومات الاداء الوظيفي الناجح ودوره في حياة الفرد والمجتمع؟ ما الذي نقصده بالأداء الوظيفي الناجح؟ الانسان بصورة عامة سواء أكان سياسياً وزيراً نائباً قاضياً استاذاً معلماً مدرساً مهنياً موظفاً.. كل انسان مكلّف بمهمة ووظيفة في الحياة.. ما هي المقومات التي لو التزمنا بها امكننا ان ننجح بهذا الاداء الوظيفي ونصل الى الاهداف التي ننشدها في الحياة؟ واحد من الامور التي اوصلتنا الى هذا الحال الذي نحن فيه هو غياب مقومات الاداء الوظيفي الناجح في حياتنا وانا اتحدث خصوصاً في داخل العراق.. طبعاً الاداء الوظيفي احياناً يُعبّر عنه بعمل الانسان، العمل والاداء الوظيفي يعتبر مقوماً اساسياً من المقومات التي تجعل الانسان ينجح في تحقيق اهدافه في الحياة سواء أكان من جملة هذه الاهداف الامر العبادي او الامور المتعلقة بالخدمات والاعمار والتطوير والرُقي.. في قِبال ذلك العزوف عن العمل والركون الى الكسل والتراخي والاهمال مقوّم أساسي في تحقيق الفشل وعدم الوصول الى الأهداف في الحياة.. وان العمل والأداء الوظيفي مبدأ انساني مهم يرتبط بالانسان ضمن المبادئ الاخرى التي يُقيّم من خلاله الانسان ومن خلاله تُحفظ قيمته وكرامته واحترامه فرداً ومجتمعاً، قيمة الانسان فرد ومجتمع كرامته واعتباره واحترامه كفرد داخل المجتمع ومجتمع بإزاء بقية المجتمعات يُعتبر العمل والاداء الوظيفي مبدأ انساني مهم ارتبط بالانسان ضمن المبادئ الاخرى.. الان نأتي بعد ذكر هاتين النقطتين : العمل مقوّم في النجاح والعمل مبدأ انساني مهم. نأتي الان الى نظرة الاسلام الى العمل.

أولا ً : الإسلام حثّ كثيراً ورغّب بالعمل والنشاط والتكسّب والهمة العالية للإنسان لكي يؤدي وظائفه في الحياة، وفي نفس الوقت نفّر وحذر من العزوف عن العمل وحذر من الكسل والتراخي والركون الى الراحة والدِعة وبين النتائج السلبية لذلك.. قال الله تبارك وتعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)). الله تعالى يقول ذلّلت لكم الارض لكي تعملوا وتنشطوا وتقوموا بمهمتكم ووظيفتكم في الحياة و ليس من اجل ان تركنوا الى الراحة والعزوف عن العمل بل من اجل ان تنشطوا وتعملوا وتعمّروا الارض، (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) العمل العبادي وغير العبادي ان عمل الانسان ومدى نفعه وصلاحه موضع نظر و رقابة من الله تعالى ومن رسوله ومن المؤمنين.. وفي حديث آخر : (ما أكل احد طعام قط خير من ان يأكل من عمل يده وان نبي الله داود (عليه السلام) كان يأكل من عمل يده). وفي نفس الوقت حذر الاسلام من التراخي والكسل والتقصير في العمل والوظيفة المكلّف بها الانسان فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (أخشى ما خشيت على امتي كِبرَ البطن ومُداومة النوم والكسل). الاسلام نظر الى العمل نظرة تمجيد وتقديس واحترام واعتبر قيمة الانسان بما يقدمه من عمل وخدمة لنفسه وللمجتمع، واعتبر العمل له قيمة عبادية عليا حتى ان الانسان الذي يكدّ في سبيل تحصيل قوته وقوت عياله عملاً جهادياً وعبادة اكثر قيمة وثمناً من الانسان العابد الذي يركن الى العبادة ويزهد في العمل.. انسان يعبد الله تعالى ولكنه يتكَلٌّ على غيره وعازف عن العمل لا يعمل بما هو مطلوب منه وهذا الانسان القليل العبادة لكنه يكدّ وينشط ويعمل ويستفرغ طاقاته في العمل وفي خدمة الاخرين هذا عمله له قيمة عبادية أعلى وأسمى من ذلك الانسان الذي يُكثر من العبادة لكنه قليل العمل وقليل النشاط ويتصف بالخمول والكسل والتراخي ولا يؤدي مهمته. ايضاً من الامور التي تساعد الانسان في الوصول الى هذا المبدأ والقيمة ان الله تعالى أودع في فطرة الانسان التوجه والحب للعمل..لكن لماذا نحن الكثير مِنّا يحب الراحة والتعطيل والخمول وعدم النشاط؟!!  البيئة بمختلف عناوينها التي تُفسد هذه الفِطرة وإلا الله تعالى من اجل ان يُعين الانسان في ان يؤدي مهامه في الارض أودع في فطرته كما اودع في فطرته الخير وحب المساعدة وحب الخير وحب العدل أودع في فطرته التوجه وحب العمل حتى يكون نشطاً عاملا ً..لكن تأتي البيئة التي تفسد القيم الفردية والاجتماعية والتي تفسد هذه الفطرة.  ثانياً :نجد في سيرة الانبياء والائمة عليهم السلام انهم كانوا يعملون في البستان أو في حراثة الارض وغيرها من الاعمال في سبيل تحصيل القوت وفي نفس الوقت ليكونوا قدوة لنا في العمل وحب العمل وتقديس العمل.. بعد هذه المقدمة اخواني نبين ما هي المقومات التي نحتاج اليها للوصول الى الأداء الوظيفي الناجح.. وقلنا مقصودنا بالأداء الوظيفي الناجح أداء السياسي أداء الوزير اداء النائب اداء القاضي اداء الاستاذ اداء المعلم أداء الموظف أداء الخادم أداء صاحب المهنة وكل انسان مكلّف بوظيفة ومهمة في هذه الحياة.. مقومات الأداء الوظيفي الناجح : الشعور بأهمية العمل وقدسيته ودوره الخطير في المجتمع وتطوره : اذا كان الفرد والكيان الاجتماعي يعتبر العمل مبدأ وقيمة انسانية مهمة مرتبطة بالانسان باعتباره خليفة الله في الارض الله تعالى جعل الانسان خليفته في الارض أوكل له مجموعة من المهام المقدسّة والمهمة والخطيرة، وايصال امانة السماء الى الانسان والى المجتمع، واعمار الارض بما يساهم في خدمة الانسان وتطوره ورقيّة بما يتناسب ويليق بالانسان كمخلوق له فكر وله عقل وله انبياء وله شرائع، واستخراج كنوز العلم التي تساهم في تطور المجتمع ورُقيّه والحفظ على عزة وكرامة المجتمع.. حينما يكون الفرد والمجتمع يستشعر ان العمل مبدأ انساني لا تقوم قائمة للانسان كخليفة لله في الارض عليه ان يؤدي هذه الامانة لا تقوم لهذه الامانة قائمة اذا لم يشعر الانسان ان العمل مبدأ وقيمة انسانية وقدسية محترمة ويعتبرها مسؤولية الهية. تارة اخواني انسان مؤمن عليه ان يعتبر ان العمل والنشاط مسؤولية الهية انيطت به وان الله تعالى كلفنا بأن نعمل وننشط وننهض لأداء هذه المهام، قال هذه امانة سأجعلها في اعناقكم ويا ايها الانسان تحملت الامانة عليك ان تؤديها، كيف تؤديها؟ اذا نظرت الى العمل والنشاط والهمّة والاندفاع كمبادئ مهمة من خلالها تنهض بأداء هذه الامانة وتفي حقها.. ومن جملة مهام الانسان ان يعمّر الأرض ويقدم الخدمة لمجتمعه وان يساهم في تطويره والرقي به، ما هو دور العقل والتفكّر وما هو دور هذه القوانين المودعة في الارض وفي مختلف هذه المكونات من اجل ان يتطور الانسان ويرتقي؟! متى ما نظرت ان العقل والعمل والنشاط والاندفاع في الخدمة وعدم التكاسل والتراخي انه مسؤولية الهية حيث نحن كمؤمنين ننظر اليها مسؤولية إلهية.. الانسان غير المؤمن ينظر الى العمل والنشاط مهمة انسانية نبيلة ومقدسة ومحترمة لديه.. بعض المجتمعات التي لا تؤمن بدين تتصف بالعمل والنشاط الدؤوب ليلا ً ونهاراً وتنظر الى العمل كمبدأ وقيمة انسانية ومحترمة وله دور خطير في الحِفاظ على الانسان وتطوره ورقيه وازدهاره..هذا الشعور متى ما توفر لدينا حينئذ يمكن ان يتوفر الحافز والاندفاع في ان يكون الانسان عاملا ً ويؤدي حق العمل والوظيفة المكلّف على افضل وجه وينشط ويحاول ان يستفرغ وسعه وطاقاته وامكاناته في سبيل خدمة نفسه  والارتقاء بالمجتمع.. يجب ان نستشعر ان العمل مبدأ وقيمة الهية وانسانية لها دور مهم وخطير ولا نستطيع ان نؤدي دورنا في الحياة الا بالعمل بنشاط وهمّة واندفاع وان ننظر الى العمل كمبدأ الهي ومبدأ انساني.. ايضاً هناك مقوّم مهم ومن الامور المهمة ومن المقومات للاداء الوظيفي الناجح: (طبيعة القوانين والتشريعات والنظام السياسي للمجتمع) : اذ كلما كان النظام السياسي وافراده يتميزون باحترامهم للأداء الوظيفي ويحرصون على سن التشريعات والقوانين والتعليمات التي تحفظ للعمل والأداء الوظيفي دوره المهم في المجتمع كلما انعكس ذلك على تحسين النشاط الوظيفي نوعاً وكماً.. وللأداء الوظيفي الناجح مقومات ترتبط بالفرد العامل نفسه وبأداء المجموعة العاملة سواء أكانت صغيرة أم كبيرة وبأداء الكيان المجتمعي العام.. ومما يؤسف له ان مجتمعنا في العراق فرداً وكياناً قد غابت عنه الكثير من المبادئ والقيم الاساسية للنجاح الوظيفي والعملي والذي ادى الى هذا التراجع الكبير في مستوى الخدمات العامة بكل عناوينها بل الى التخلف والتراجع، والذي جعل هذا البلد لا يستطيع الاستقلال والاكتفاء بقدراته ونشاطاته مع ما لديه من امكانات كبيرة بل اصبح يعتمد على الاخرين حتى في ابسط أموره واحتياجاته الحياتية والذي ترك أثراً سيئاً حتى على موقعه وسط المجتمعات الاخرى.. وان شاء الله نُكمل بقية المقومات المهمة في الخطب القادمة ونلفت نظركم ايها الاخوة الى ان هذه المقومات متى توفرت وتحققت ستساهم في توفير الخدمات لنا وتطوير حياتنا وازدهارها ورفعة مجتمعنا وسط المجتمعات الاخرى.. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.. حيدر عدنان الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

gate.attachment