الخطبة الدينية للسيد أحمد الصافي من الصحن الحسيني الشريف بتاريخ 19 ربيع الاول 1439 هـ الموافق 08 /12 /2017 م

لنص الكامل للخطبة الاولى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه ابي القاسم محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين، اللهم اني افتتح الثناء بحمدك وانت مسدد للصواب بمنك وايقنت انك ارحم الراحمين في موضع العفو والرحمة واشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة واعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة.

اخوتي عضدي أبنائي أملي آبائي وقاري، أخواتي شرفي بناتي حسناتي امهاتي المُؤَمِّنات على دعائي السلام عليكم ورحمة الله جميعاً.

اوصيكم احبتي ونفسي الجانية بتقوى الله تعالى في الليل والنهار، في السر والاعلان، في الصغيرة والكبيرة، اعاننا الله على انفسنا، كما اعان الصالحين على انفسهم، اسعد الله لكم الايام بذكرى ولادة النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) الذي بعثه الله تعالى رحمة للعالمين ونسأله جل شأنه ان يجعلنا من الداخلين في هذه الرحمة، ان رحمته واسعة وسعت كل شيء، وان يوفقنا واياكم لزيارته وان نحظى بشفاعته في ذلك اليوم الذي ينقطع عن ابن ادم كل شيء الا ما خلص من عمله، ذلك اليوم الذي تشرئب النفوس والاعناق الى رحمة الله تبارك وتعالى ولا شك ان ما سيظهر منه (صلى الله عليه واله) في ذلك اليوم اكبر واعظم مما هو في هذه الدنيا نسأله السداد والتوفيق والصلاح في القول والعمل .

كنا بخدمتكم وكنا جميعاً في خدمة الامام السجاد (سلام الله عليه) وهو يبين ويوضح ويفتح لنا آفاق المعرفة من خلال بعض المفاهيم في الدنيا التي لا مناص لنا من معرفتها حق المعرفة قبل ان تنقطع بنا السبل، الا وهي هذه الفلسفة الخاصة في التعامل مع مجموعة من الاشياء، ولعل من جملتها الرزق، ويعلم الاخوة الحضور ان الانسان عادة ما يستعجل في أموره خصوصا وانه ليس لديه القدرة على ان يتحمل كثيرا من المشاق، فيحاول ان يستعجل بجهل أو بنزعات النفس أو بحرص، ولعل هذه العجلة في بعض الحالات تورد الانسان المهالك، ولذا فان الانسان يمر بين فترة واخرى بحالة ضيق وانفراج وحالة مرض وصحة وهذه التقلبات على النفس ما بين اقبال وادبار، اذا كان الانسان عنده طريقة واضحة ومعالم لائحة ويقتنع بها سيعرف كيف يتصرف مع هذه التقلبات، اما اذا كان متزعزع الثقة ولا يستقر في ذهنه مبدأ او عقيدة، فإنه سيتلون تبعاً للظرف وهذا التلون لا يعطي للانسان تلك الشخصية المهمة التي يمكن ان تستفيد من هذه النعم في الدنيا، وبالعكس قد يورد الانسان نفسه المهالك من حيث لا يدري.

ولذا ذكرنا في ما سبق هذه النكات الثلاث التي بينها الامام (عليه السلام) إذ قال (أللَّهُمَّ لاَ طَاقَةَ لِي بِالجَهْدِ ، وَلاَ صَبْرَ لِي عَلَى البَلاَءِ، وَلاَ قُوَّةَ لِي عَلَى الْفَقْرِ) هذه هي الامور الثلاثة التي صدَّرها الامام (عليه السلام) ونلفت النظر الى عمق الصحيفة السجادية، فمن الممكن للانسان أن يراجع هذا الدعاء بين فترة واخرى حتى يبقى دائما على تواصل مع الامام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) فبعد ان بيَّن الامام عليه السلام ان هذه الامور الثلاثة قال: (فَلاَ تَحْظُرْ عَلَيَّ رِزْقِي، وَلاَ تَكِلْنِيْ إلَى خَلْقِكَ بَلْ تَفَرَّدْ بِحَاجَتِي، وَتَولَّ كِفَايَتِي، وَانْظُرْ إلَيَّ وَانْظُرْ لِي فِي جَمِيْعِ أُمُورِي).

نقف عند هذه الفقرات بقدر ما يسع فيه الوقت والطاقة، بعد ان بيّن (عليه السلام) هذه الامور الثلاثة التي تقدمت، قال: فلا تحظر عليَّ رزقي، والحظر هو المنع، وهذا مصطلح دارج نستعمله حتى في حياتنا اليومية ، فهذا امر محظور أي امر ممنوع، فالامام زين العابدين سلام الله عليه يطلب من الله تعالى بقوله (فَلاَ تَحْظُرْ عَلَيَّ رِزْقِي) أي لا تمنعني من الرزق.

واقعاً الله تعالى هو مصدر الرحمة ومصدر الخير ومصدر الرزق ، وفي بعض الحالات نحن نخطئ بالتوجه الى طريق الرزق وقد نتصور- لجهالة منا- ان الرزق هو المال وهذا امر خاطئ ، فطريق تحصيل المال هو الذي له علاقة بالرزق، وممكن للانسان أن تتوفر له الفرصة ليرى المال امامه وهو ليس له وبإمكانه ان يمد يده اليه، لكن هل هذا هو رزقه؟ الجواب كلا، إن هذا عبارة عن مال مسروق، وقد ينتفع به من مأكل وملبس، لكن ليس هذا هو الرزق الذي كتب له، الله لا يكتب رزقا من حرام، ولذلك ينبغي للذي يتصدى لمسؤولية معينة ان يكون امينا على المال، وهذا لا يعني ان هذا المال له، وانما هذا المال هو مؤتمن عليه، وليس رزقا من الله له، فالله تعالى رزقك هذه الصفة ان تكون اميناً على مال الآخر ، لكن ان تمد يدك الى المال فانت سارق وتجاوزت على اموال الغير.

يقول الامام السجاد (عليه السلام) (فَلاَ تَحْظُرْ عَلَيَّ رِزْقِي) ، أي لا تمنعني من الرزق الذي كتبته لي ، فما هي موانع الرزق هذه؟، طبعاً هناك مسألة اخلاقية يذكرها علماء الاخلاق مفادها أن بعض الارزاق تجري على الانسان وبعض الارزاق تحتاج الى سعي منه لكن المسألة تكمن في، هل هناك اعمال توجب منع الرزق او لا؟ قطعاً توجد، فعندما تمطر السماء يدخل الانسان تحت سقف فلا يسقط المطر عليه، لأنه جعل حاجباً بينه وبين المطر، وهذه قضية مألوفة لدى الانسان ممدوحة، لكن اريد ان اقارن لماذا لا ينزل المطر؟ المطر موجود ، لكن انت احتجبت عن المطر بهذا السقف الحاجب، والارزاق النازلة من الله سبحانه وتعالى ايضا لها مجموعة من الحجب - والعياذ بالله- الانسان - والعياذ بالله- قد يعمل بعض الاعمال فتحجب عنه الارزاق ولعل الانسان اذا تعود واشتهى واحب الرزق الحرام، يمنع من الرزق الحلال ، والحلال فيه البركة والحرام فيه المهلكة ، واذا عصى الله تعالى يمنع من الرحمة الالهية، بعض الناس مثلا قد تنطلي عليه النكتة في مسألة الرزق، حيث يرى نفسه اذا عصى ربه توسع رزقه، نحن نسمع من بعض الناس الذين لا عقل لهم يقولون: اذا عصيت توسع رزقي، ويقول اذا ابتعدت عن الله تعالى سيتوفر عليَّ مال كثير، المسألة ليست كذلك ، فقد يحصل الانسان على مال لكن هذا المال ليس رزقه فقد جاءه من اوجه محرمة، فضلاً عن الشبهات، الله تعالى لا يضن ، أي: لا يبخل بك عن رزقه ، انما خلقنا الله في هذه الدنيا ولا يزال يربينا منذ النشأة الاولى الى النشأة الاخرى ولا يتركنا، كما أن الارزاق أنواع كما هو معلوم كالصحة رزق والسمعة وكثرة الاخوان ، فلا يحسب الانسان أن الرزق لقيمات يقوي بها صلبه.

المشكلة أن الانسان الذي يتعود على الامور المادية يأنس بها ويحاول ان يستزيد منها ولا يقتنع، والذي يتعود على الامور المعنوية يأنس بها اضعاف ما يأنس بالأمور المادية، ويحاول ان يستزيد منها، فلذة المعنويات لا تعوضها لذة مادية، لكن المشكلة ان الانسان يتأثر بما توسوس به النفس، ثم بعد ذلك تتراكم الخبرات ويكتشف انه كان في جهالة وقد لا يتوفق الى ان يراجع نفسه ويصلح ما فسد منها، إذن القيمة ليست كذلك.

يكمل الامام السجاد (عليه السلام) في مقام المناجاة والدعاء مع الله تعالى قوله: (ولا تكلني الى خلقك) ونحن ندعو دائماً اللهم لا تكلني الى نفسي والى احد من خلقك اي لا تجعلني اعتمد على احد في داخلي، كفر النعمة ان يكون الانسان في غفلة وان اعتقد ان الله فعلاً هو الرزاق، لكن اذا تأخر رزقي احاول ان اتوجه الى فلان لان فلانا متمول، فاعتقد في هذا العمل قد احصل من عنده على شيء فتكون حالة من الميول.

الفلسفة في تأخر استجابة الدعاء تكمن وراء: العصيان، الذنب، اكل الحرام، الى اخره، وهناك بعض الذنوب تحبس الدعاء كما في فقرات دعاء كميل، لكن الدعاء في بعض الحالات يستجاب، لكن الله تبارك وتعالى كما في الرواية الشريفة يحب ان يسمع صوت عبده المؤمن، القضية تحتاج الى تأمل، ان الله تعالى يريد من العبد ان يدعوه والله قادر على كل شيء والله ينزل الرزق بلا دعاء ويرزق من عرفه ومن لم يعرفه، لكن هناك عبادا يحبهم ويريد ان يسمع دعاءهم ويسمع صوتهم.

لو خير الانسان وقيل له ان الله سيستجيب لك الان او سيجعلك تدعو لان الله يحب ان يسمع صوت المؤمن، فأيهما ألذ الى العبد؟ لاشك انه سيختار الأمر الثاني.

على الانسان أن يلتفت الى الحقوق المكلف بها، وأول الحقوق حق الله تعالى، والنفس تسول له فيصعب ان يلتفت الى دقة هذا المطلب، فقد كان الائمة الاطهار (عليهم السلام) يأنسون في الليل بالدعاء الى الله تعالى، لأنه سيتيح لهم اما قراءة القرآن والدعاء، والعاقل منا يرى هذه الحالة هي افضل حالة.

الانسان المؤمن اذا رأيته ذكرك بالله تعالى، الانسان لابد ان يصبر، وفي دعاء الامام السجاد (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيَّ صُحْبَةَ الْفُقَرَاءِ) باعتبار أن الانسان الفقير جرت عليه الامور صعبة، ونرى معاشر الائمة والانبياء عندهم الكفاف، الله تعالى جعل هناك عوامل للعطاء كما أن هناك عوامل للحجب، فالانسان اذا اتقى الله يرزقه من حيث لا يحتسب.

اللهم اجعلنا مفتقرين اليك وتكفل بجميع حوائجنا وانظر الينا يا رب العالمين نظرة رحيمة بمحمد وآله الطيبين الطاهرين، واللهم اعنا على انفسنا كما اعنت الصالحين على انفسهم، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد واله الطيبين الطاهرين.

بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)).

gate.attachment