الخطبة الدينية بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي بتاريخ (12جمادي الاول 1438 هـ الموافق 10 /02 / 2017 م)

الزهراء(عليها السلام) منارٌ وقدوة بل هي قدوةُ القدوة للجميع

سيد النساء (ع) بلغت القمّة في الكمال الإنسانيّ

الزهراء عوّضت النبيّ(ص) عمّا يحتاجه الإنسان في اللّحظات والمنعطفات الحرجة والصعبة

النص الكامل للخطبة الاولى

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللعين الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي لا يُلهيه من عباده حالٌ عن حال، ولا يغلّطه سؤالٌ عن سؤال، لا تُغشي بصره الظلمة، ولا يُستَتَرُ منه بستر، ولا يواري منه جدار، ولا يغيب عنه برٌّ ولا بحر.. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً(صلّى الله عليه وآله) عبده الكريم عليه من عباده، الحبيب اليه من رسله، صلّى الله عليه وآله أئمّة المؤمنين وخيرة ربّ العالمين.. أوصيكم عباد الله تعالى وقبل ذلك أوصي نفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله تعالى فإنّكم راجعون اليه، واحذروه فإنّكم بعينه، واخشوه فإنّكم في قبضته، وتوبوا اليه توبةً نصوحاً تقلع الذنوب وتطهّر القلوب، وليكنْ مع توبتكم عزمٌ على تدارك الفائت من حقوق الله تعالى وحقوق عباده، واعلموا أنّ لكلّ داءٍ دواءً ودواءُ الذنوب الاستغفار بندمٍ وقلبٍ يخشى الله تعالى خشيةً صادقةً، وتذكّروا ولا تغفلوا أنّكم تعيشون هذه الأيّام ذكرى الأحزان الفاطميّة باستشهاد حبيبة نبيّكم(صلّى الله عليه وآله) وثمرة فؤاده ومهجة قلبه الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، فأحيوها بقلوبكم قبل ألسنتكم وبأعمالكم الصالحة مشفوعةً بدموع الندم على التفريط بحقوق الله تعالى، ممتزجةً باللّوعة والأسى على مصاب آل البيت باستشهاد جدّتهم الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام)..

أيّها الإخوة والأخوات بدءً نعزّي جميع الأنبياء والمرسلين بالخصوص سيّد الأنبياء والمرسلين محمد المصطفى(صلّى الله عليه وآله) والأئمّة الطاهرين ومراجع الدين العظام والأمّة الإسلامية جمعاء بذكرى استشهاد الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء، ونوصيكم بإحياء هذه المناسبة بإظهار الحزن والفجيعة والمصاب من خلال الإكثار من إقامة المجالس وإظهار ذلك على وجوهكم وقلوبكم بإظهار الحزن لهذه الذكرى الأليمة، وكذلك من خلال المظاهر العامّة التي تُظهر هذا الحزن من الجميع، وكذلك الالتزام لنترجم هذا الإحياء الحقيقيّ بالعمل الصالح والاقتداء بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله) والاقتداء بالصدّيقة الطاهرة(سلام الله عليها)، وها نحن ذا بهذه المناسبة وفاءً وأداءً لبعض الحقّ للزهراء(عليها السلام) ولكي نتذكّر نهجها ونتعلّم من هذا النهج الدروس الكثيرة، لكي نأخذ ذلك منهاجاً لنا رجالاً ونساءً، فإنّ الزهراء(عليها السلام) منارٌ وقدوة بل هي قدوةُ القدوة للجميع رجالاً ونساءً فلا بأس أن نتعرّض الى ذكر بعض الأحاديث التي تُبيّن عظم المقام للصدّيقة الطاهرة(عليها السلام)، وحينما تسمعون بعض هذه الأحاديث نرجو منكم أن تسمعوها بقلوبكم وبأرواحكم لا بآذانكم، وتتفاعلوا مع مضامين هذه الأحاديث لكي تعرفوا المقام العظيم وشيئاً من السرّ المستودع عند الصدّيقة الطاهرة(سلام الله عليها)، انظروا الى سيّد الأنبياء والمرسلين وهو لا يتكلّم عن الهوى والعاطفة ماذا يقول عن الزهراء(عليها السلام)، يقول: (فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبيّ) تأمّلوا في هذه الكلمات، سيّد الأنبياء والمرسلين يعبّر عن فاطمة أنّها قلبه وروحه التي بين جنبيه، في بعض الأحاديث التي سنذكرها حينما يرى منها ما كانت عليه مع أبيها -لاحظوا هذا التعبير-: (فداك أبوك) كم هو عظيم مقام فاطمة الزهراء(عليها السلام) حتى أنّ سيّد الأنبياء والمرسلين يقول لها: (فداك أبي وأمّي) لاحظوا هذه التعابير لفاطمة الزهراء(عليها السلام) كيف كانت تملك هذا المقام الإلهيّ العظيم حتّى أنّ سيّد الأنبياء والمرسلين وسيّد الكون يقول عنها: (فداك أبوك قلبي وروحي التي بين جنبيّ).

ثم الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) أيضاً بيّنوا هذه المقامات الإلهيّة والاجتبائية من الله تعالى للصدّيقة الطاهرة حتى أنّه ورد في الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام): (إنّ لفاطمة تسعة أسماء...) سنبيّن عند مَنْ هذه الأسماء وعن أيّ صفاتٍ ومقاماتٍ عظيمة تكشف هذه الأسماء، (إنّ لفاطمة تسعة أسماء عند الله تعالى: فاطمة، الصدّيقة، المباركة، الطاهرة، الزكيّة، الراضية، المرضيّة، المحدّثة، الزهراء) وهذه الأسماء تكشف عن صفات وخصائص اختصّت بها الصدّيقة الطاهرة(سلام الله عليها) ومن حقّها علينا أن نبرّ بها وبأولادها وهو خيرُ العمل، ولذلك ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) قولُه: (خيرُ العمل برّ فاطمةَ وولدها)، نذكر هنا أيّها الإخوة والأخوات شيئاً من سيرة الصدّيقة الطاهرة(سلام الله عليها) لنبيّن شيئاً من مناقبها وخصائصها وفي نفس الوقت تكون فرصة لنا لنتعلّم منها الشيء الكثير، لفاطمة الزهراء(عليها السلام) كما يُستكشف ممّا كُتِب في كتب السيرة والتاريخ نوعان من الخصائص:

الأوّل: الخصائص الاجتبائيّة التي اجتباها الله تعالى بها وأكرمها بمجموعةٍ من المقامات السامية التي تكشف عن استعدادها وملكاتها العباديّة والتقوائيّة والعقائديّة والأخلاقيّة، وغير ذلك من الصفات التي أهّلتها أن تُجتبى من الله تعالى بمجموعةٍ من هذه الصفات التي تجسّدت فيها استعداداً لهذه الملكات العظيمة، وهي كما بيّن أصحاب السيرة والحديث أنّ هذه الأسماء التي أُطلقت على فاطمة الزهراء(عليها السلام) هي ليست لمجرّد التكريم والتعظيم بل هي تكشف عن مقامات إلهيّة سامية استحقّت بها هذه الصفات، نذكر بعضاً منها: سُئل الإمام الصادق(عليه السلام) لِمَ سُمّيت فاطمة بـ"الزهراء"؟ لاحظوا إخواني هذا المقام، قال: (لأنّها كانت إذا قامت في محرابها زهرت وزهر نورها لأهل السماء) لا شكّ أنّ الكثير من النساء يقمن في المحراب ولكن لماذا هذه الخاصيّة حتّى التكوينيّة كما الآن الكواكب والنجوم تُزهر لأهل الأرض، وهناك تتمّة لهذا الحديث (كذلك الزهراء(عليها السلام) إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما تزهر الكواكب لأهل الأرض) وذلك لانقطاعها الكامل الى الله تعالى وعظيم إخلاصها في عبادتها وتجسيدها الكامل حتى أصبحت أكمل النساء في هذه الصفات، وبذلك تحوّلت هذه الصفات الى أثرٍ تكوينيّ لأن تزهر ويزهر نورها لأهل السماء هكذا يبلغ الإنسان، وفاطمة(سلام الله عليها) هي الوحيدة التي سُمّيت بهذه التسمية ولُقّبت بهذا اللقب، وهي أيضاً في الروايات كما تعلمون أيّها الإخوة والأخوات أنّه (كَمُل من الرجال كثيرٌ ولم تكملْ من النساء إلّا أربع: فاطمة وآسيا ومريم وخديجة)، وسيّدة النساء على الإطلاق فاطمة الزهراء(عليها السلام) فهي بلغت القمّة في الكمال الإنسانيّ، لذلك امتلكت هذه الخصائص الاجتبائيّة في عبادتها وفي تقواها وفي بقيّة صفاتها ومقاماتها الإلهيّة.

الثاني: الخصائص الذاتيّة المكتسبة وهي التي تجسّدت من خلال بلوغها القمّة في العبادة والتقوى والورع والأخلاق وبقيّة الصفات التي أرادها الله تعالى من الإنسان الكامل ولذلك امتلكت هذه الخصائص الأخرى، وهنا لا بأس أن نذكر خصيصتين للزهراء(عليها السلام) بحسب ما يسع به الوقت ونقف مع هذه الصفات وقفةَ اقتداءٍ بالزهراء(عليها السلام) نقتدي بها نحن كرجال وتقتدي بها النساء، دور الصدّيقة الطاهرة مع أبيها: وهذا –إخواني- نحتاج اليه في كلّ الأوقات ولكن في الوقت الحاضر أكثر، حيث يمرّ رجالنا وآباؤنا وأبناؤنا بدور الدفاع عن الإسلام والحفاظ على هويّة الإسلام من خلال جهادهم ووقفاتهم البطوليّة في معارك الجهاد، هنا لابُدّ أن نتذكّر كيف كانت الزهراء(عليها السلام) ودورها مع أبيها حيث أنّها(سلام الله عليها) فقدت أمّها وهي صغيرة، فهل يكون حالها كالكثير من اليتيمات تُلقي بأعبائها وثقلها على والدها؟ أم كان لها دورٌ آخر حتّى أنّها استحقّت من سيّد الأنبياء والمرسلين أن يقول: (فاطمة أمّ أبيها)؟!!، لاحظوا وهي صغيرة عوّضت النبيّ(صلّى الله عليه وآله) عمّا يحتاجه الإنسان في اللّحظات والمنعطفات الحرجة والصعبة، الزهراء(سلام الله عليها) كيف استحقّت هذا اللّقب (أمّ أبيها)؟ حقيقةً مع صغرها وفقدان أمّها أدركت وكانت تلك المرأة العالمة الواعية المدركة لحجم الرسالة والمهامّ التي أُلقيت على عاتق والدها، وهو أنّه كان يحمل أعظم رسالة من السماء الى الناس جميعاً، وما كان يلقاه من الأذى الاضطهاد وما واجهه في الحروب من الجروح وغير ذلك، فكانت الزهراء(عليها السلام) تكفيه همّ تفكيره في شؤون البيت، وكذلك تلك المشاعر والعواطف والحنان المتدفّق من الزهراء(عليها السلام) وهي صغيرة تجاه والدها، ولذلك هذا الدور الذي مارسته في مكّة وفي المدينة مع أبيها دورٌ عظيم كدور الأمّ مع ابنها الوحيد، كيف تغدق عليه مشاعر العطف والحنان والمواساة والوقوف مع الرجل في أحلك الظروف وأصعبها كانت الزهراء(عليها السلام) كذلك، ولاحظوا إخواني شدّة اعتناء واهتمام النبيّ(صلّى الله عليه وآله) بفاطمة الزهراء(عليها السلام) وكيف كانت الزهراء(عليها السلام) مع النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، لاحظوا بعض هذه الروايات تعبّر أنّه إذا كانت فاطمة الزهراء تأتي الى النبيّ(صلّى الله عليه وآله) يقوم من مجلسه يُقبّلها ويُجلسها في مجلسه فأيّ مقامٍ عظيم!! كان إذا سافر يكون آخر بيتٍ يذهب اليه هو بيت الزهراء(عليها السلام) كما في بعض الروايات.

نذكر هذه الأمور لنسائنا وبناتنا الكريمات كيف يكون موقفهنّ مع الآباء خصوصاً الآباء المجاهدين الذين يُقاتلون تارةً في معركة الجهاد ضدّ أعداء الإسلام وتارةً أخرى في معركة الحياة حينما يخرج الأب الى معترك الحياة لكي يقوم بواجبه، كيف ينبغي أن يكون موقف البنت المؤمنة الواعية الذي تتعلّمه من الزهراء(عليها السلام)، وهل اكتفى بذلك للبنات بل حتّى الأولاد بل حتّى الكبار، أنتم إخواني مهما بلغتم من العمر كيف ينبغي إذا كنتم توالون الزهراء صغاراً وكباراً بناتٍ وأولاداً رجالاً ونساءً كيف ينبغي أن يكون دوركم وموقفكم مع الآباء مهما بلغتم من العمر، لاحظوا مقام الزهراء(عليها السلام) عندما يعود النبيّ(صلّى الله عليه وآله) من سفره يأتي الى المسجد يصلّي ركعتين لمن يذهب بعد أن يصلّي ركعتين؟؟ يذهب الى فاطمة. لذلك ورد في بعض الأحاديث عنه(صلّى الله عليه وآله): (فاطمة أحبّ الناس إليّ وعليٌّ أعزّ الناس عليّ) لاحظوا أيّ مقامٍ إلهيّ بلغته الزهراء، يعبّر النبيّ عن حبّه العميق للزهراء(عليها السلام) من خلال هذه المواقف لتكون هي قدوتنا هي أسوتنا لنأخذ منها منهاج الحياة، كما في هذا الحديث: (جاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله) من سفره...) لاحظوا نركّز على موضع الشاهد كيف تتفاعل البنت والولد مع أبيه وكيف يكون موقفه (...صلّى ركعتين في المسجد ثمّ أتى بيت فاطمة، فتلقّته عند الباب...) لا تبقى في داخل البيت تنتظر أباها يدخل ثمّ بعد ذلك تتلقّاه بل تلقّته عند الباب، ماذا فعلت؟ (...وجعلت تلثم فاه وعينيه وتبكي...) تقبّله من عينيه وتبكي فأيّ قلبٍ تحمله الزهراء تجاه أبيها!! يسألها النبيّ(صلّى الله عليه وآله): (...ما يبكيك؟ فقالت: أراك شعثاً نَصَباً قد اخلولقت ثيابك...) يعني أنّ هذا الحال الذي أنت فيه يؤلمني يعتصر قلبي ألماً لما أجده من هذا الحال عليك يا أبتاه، (...فقال لها: لا تبكي...) يبيّن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) ما هو السبب في أنّه على هذا الحال ويُبيّن لها أنّني أحمل رسالةً عظيمةً الى الناس وأحمل رسالةً عظيمةً الى العالم، سوف لا يبقى أيّ مكانٍ في العالم إلّا وفيه هذا الدين الذي جئت به، (...فقال لها: لا تبكي فإنّ الله تعالى قد بعث أباك بأمرٍ لا يبقى على وجه الأرض بيتٌ ولا مدر ولا حجر ولا وبر ولا شعر إلّا أدخله الله به عزّاً أو ذلّاً...) من يعتنق هذا الدين له العزّ ومن يرفض هذا الدين له هذه النتيجة من الذلّ (...حتى يبلغ حيث بلغ الليل) أي حتّى ينتشر في جميع أرجاء العالم.

ثمّ أيضاً من مواقفها التي كانت مع أبيها –لاحظوا- هذا الإيثار في عظمته مع الحاجة، كان المسلمون في ذلك الوقت يعيشون أشدّ الأحوال صعوبةً في شظف العيش وجشوبته والحاجة، حتى أنّ الكثير من المسلمين الفقراء كانوا في المسجد لا يجدون شيئاً من اللّباس والطعام، فاطمة الزهراء(عليها السلام) والنبيّ(صلّى الله عليه وآله) كانوا ضمن هذه الحالة العامّة لكنّهم كانوا أشدّ من بقيّة المسلمين لأنّهم القدوة لذلك كانت معاناتهم أشدّ المعاناة، في بعض الأحيان فاطمة الزهراء(عليها السلام) تأتي الى النبيّ(صلّى الله عليه وآله) -لاحظوا أيّها الإخوة- اقتنعوا بما أنتم فيه من الحياة واقتدوا بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله) وفاطمة الزهراء في تحمّل مصاعب الحياة والصبر على مصاعبها وصعوبة العيش، فتأتي الى النبيّ(صلّى الله عليه وآله) بكسرةٍ من خبز شعيرٍ يابسة تؤثر النبيّ(صلّى الله عليه وآله) على أولادها ثمّ يأخذها النبيّ(صلّى الله عليه وآله) –لاحظوا- النبيّ يقول لها: ما أكلت يا بنيّة!! هذا أوّل خبزٍ يأكله أبوك منذ ثلاثة أيّام. لاحظوا كيف كان النبيّ(صلّى الله عليه وآله) في هذه الأحوال التي كان يعيشها وفاطمة الزهراء، من هنا جاءت هذه التسمية التي أطلقها النبيّ(صلّى الله عليه وآله) على الزهراء بأنّها "أمّ أبيها"، ثمّ أيضاً في مسألة الصبر والمواساة التي تحمّلتها الزهراء(عليها السلام) هذا أيضاً خطابٌ الى المرأة الى الرجال جميعاً كيف أنّنا نعيش مع الحياة بصبرٍ ومواساة ويشارك بعضنا البعض الآخر في تحمّل مصاعب الحياة خصوصاً الآن، إخواني هذا الذي جسّدته الزهراء(عليها السلام) مع أبيها ومع زوجها عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) خصوصاً في ظروف الحروب والظروف الصعبة من المعيشة، كانت هناك حروب متعدّدة وظروف صعبة من المعيشة كذلك الآن إخواني، فكيف ينبغي أن يكون موقفنا مع المجاهدين الأبطال؟!! وكيف ينبغي أن يكون موقفنا في المشاركة والمواساة لعوائل المجاهدين وعوائل الشهداء؟!! وكيف ينبغي أن نكون معهم في مساعدتهم على أن يؤدّوا هذا الدور؟!! لابُدّ لهذا المجاهد أن تتوفّر له الظروف حتى يتمكّن من أن يؤدّي دوره وهو مطمئنّ على عائلته وعلى أولاده، مع عائلة الشهيد أيضاً كيف ينبغي أن يكون موقفنا إذا أردنا حقّاً أن نقتدي بالزهراء(عليها السلام)؟!! وهي التي كانت تتحلّى بهذه المواقف من الإيثار والصبر والمواساة، ولنكون حقّاً من الموالين للزهراء علينا أن نقتدي بسيرتها في مواقفها مع أبيها ومع عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

أكثر امرأةٍ تعرّضت للمحن والابتلاءات هي الزهراء(عليها السلام)، وما استحقّت هذا المقام الإلهيّ العظيم بأنّها قدوة القدوة وأنّها سيّدة النساء على الإطلاق إلّا لمقامها العظيم في الصبر والتحمّل، إنسان يتعرّض الى أفدح المصائب والابتلاءات والامتحانات دون أن يقابل ذلك بمرتبةٍ عالية من الصبر والتحمّل والرضا بقضاء الله تعالى وقدره لا يستحقّ هذا المقام، لكنّ الزهراء(عليها السلام) مرّت بها أشدّ المحن والابتلاءات سواءً كان في حياة أبيها أو بعد حياة أبيها وقابلتها بالصبر والتحمّل والرضا بقضاء الله تعالى وقدره فاستحقت بذلك هذا المقام العظيم، لذلك ورد في بعض الروايات عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أنّه قال لفاطمة: (إنّ جبرائيل أخبرني أنّه ليس امرأةٌ من نساء المسلمين أعظم رزيّةً منك) هي من جهةٍ فقدت أمّها ثمّ بعد ذلك هذه الأمور التي تعرّضت لها في حياتها وبعد حياتها فكانت أعظم النساء صبراً، تحمّلت مع عليّ(عليه السلام) الظروف الصعبة وكانت تؤدّي دورها في أنّها أنجبت الحسن والحسين وزينب(سلام الله عليهم) وكان الأئمّة منها، هذا في الواقع درسٌ للنساء يتعلّمن منه كيف يصنعن الأسرة الصالحة، لاحظوا إخواني -وهذا الكلام بالخصوص للنساء- فاطمة الزهراء أبوها أعظم الآباء -لاحظوا مقامها العظيم- أبوها أعظم الآباء وأعظم الأنبياء والمرسلين، زوجها سيّد الوصيّين، وهي سيّدة النساء مع ذلك كانت لا تأنف أن تقوم بدورها في أداء شؤون البيت من الطَّحْن -طحن الشعير- حتّى مجلت يداها، وكنس البيت وأن تخبز الخبز في التنّور، حتى أنّها كانت كثيراً ما تؤذيها نارُ التنّور وكثيراً ما كانت تتحمّل مشاقّ هذه الأمور في البيت وتتحمّل صعوبة العيش، وتذكرون كيف أنّه وردت في سورة الدهر هذه الآيات التي نزلت في حقّ فاطمة والحسن والحسين وأمير المؤمنين(عليهم السلام) وكيف كانت الظروف صعبة، مع ذلك كانت تؤدّي هذه الأمور المتعلّقة بشؤون بيتها وتربية الحسن والحسين وزينب(سلام الله عليهم)، هذا المقام العظيم ينبغي أن تتعلّم منه المرأة ما ينبغي أن تكون عليه في هذه الأيّام لا أنها تستنكف وتأنف من القيام بهذا الدور للزوجة الصالحة والأمّ المربّية التي تؤدّي دورها بحيث تصنع الأسرة الصالحة، لذلك كانت(سلام الله عليها) في كلّ شؤون الحياة ليس فقط في مجال العبادة والتقوى بل حتّى في الأمور الأخرى هي المرأة الأعظم والمرأة القدوة والأسوة لكلّ نساء العالمين، لذلك ينبغي أن نتعلّم -خصوصاً المرأة- نتعلّم من سيرتها لكي نسير على نهجها ودربها.

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لإحياء ذكراها كما تحبّ وكما يحبّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، وأن ننتهج نهجها ونسير على منارها ودربها وضياء منهجها إنّه سميعٌ مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

gate.attachment