الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 17صفر الخير 1438 هـ الموافق 18 تشرين الثاني 2016 م

في هذه الأيام وهي أيام الزيارة الأربعينية العظيمة من المناسب ان نذكر أمورا :

ـــ          تمثل مسيرة الأربعين في هذا العام ـــ كما في الأعوام الماضية ـــ أروع وأعظم تجمع وحشد إيماني يجسّد فيه محبو الإمام الحسين عليه السلام عظيم حبهم للإمام ولمبادئه وقيمه التي استشهد من اجلها ، وقد أظهرت هذه المسيرة المباركة فضلى الصفات الإيمانية ومكارم الأخلاق الإسلامية لإتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام ، فأن سيرهم على الأقدام رجالاً ونساءً ، صغاراً وكباراً ، أصحاء ومرضى ومعاقين ؛ من شقة بعيدة وعبر أراضٍ صعبة المسار وعرة في طرقها الى كربلاء المقدسة ؛ إنما هو تعبير صادق عن حقيقة إيمانهم وولائهم ، ونقول لهؤلاء الأحبة : " لقد أثبتم بما قمتم به صدق استعدادكم للتضحية بالنفس والنفيس في سبيل حفظ مبادئ النهضة الحسينية التي مثلت جوهر الإسلام وحقيقة الدعوة المحمدية ، مثلما كان لعظيم بذلكم وعطائكم في الخدمة والإطعام والمأوى ؛ ما أبرز جودكم وكرمكم بأبهى صورة لم تكن تخطر ببال الكثيرين ، وزاد ذلك بهاءً وجمالا ً طيب المعاشرة والتخلق بحسن الصحبة فيما بينكم ما مَثّل صدق الإخوة والولاء الذي يجمعكم صغاراً وكباراً ورجالا ً ونساءً " .

" ومن المؤكد ان الذي سيرفع قدركم عند الله تعالى ويزيدكم أجراً وثواباً هو إدامتكم لهذه المبادئ قولا ً وعملا ً بعد ان تقفلوا راجعين الى دياركم وأهاليكم لتجعلوا من طريق حياتكم كله طريق الأربعين في صدق العبودية لله تعالى والتخلق بأخلاق النبي وأهل بيته الأطهار عليهم السلام وليكون منهج الإمام الحسين عليه السلام هو منهجكم اليومي وبرنامجكم الحياتي في مختلف أماكن حضوركم ، في البيت والسوق والمدرسة والمصنع والدائرة والأماكن العامة ، فإن منهج الحسين عليه السلام لا يختص بأيام ذكراه بل هذه الأيام هي لمزيد الالتصاق به عليه السلام ولزيادة اللوعة على مصابه ولتعميق رسالته في الحياة ما حَيِّينا وما كان للدنيا نهار وليل يتعاقبان .

ـــ          ان مما يميز المسيرة الأربعينية هو تزايد الحضور العالمي من محبي الإمام الحسين عليه السلام فيها ومنهم من حديث عهد بهذه المسيرة، فلابد من مزيد الاحترام والإجلال لهم وإشعارهم بالاعتزاز بحضورهم وإكرامهم في الضيافة وحسن التعامل والمعاشرة معهم ، وتعريفهم بالدوافع الإلهية والبواعث الإيمانية والمحبة الحسينية لهذه المسيرات لكي تترسخ في نفوسهم وقلوبهم ويكونوا خير سفراء لكم في بلدانهم وشعوبهم فيكون لكم الذكر الطيب لدى تلك الشعوب وتكونون سبباً في نشر هذه المبادئ لدى المزيد من أهل تلك البلدان.

ـــ          المأمول من وسائل الإعلام توثيق المشاهد التي تعبر عن هذه المبادئ وتجسيدها لدى الزائرين ، فما أروع مشهد تلك المرأة السبعينية التي احدودب ظهرها من متاعب الحياة وهي تسير بخطى ثابتة تحمل في جنباتها نفساً مطمئنة متلذذة بمشقة السير لأنه يوصلها الى محبوبها سيد الشهداء عليه السلام ، وما أجمل مشهد الرجال الذين يحملون أواني الطعام على رؤوسهم للزائرين ليقولوا " إننا نحمل ما فيه خدمتكم على رؤوسنا فكيف لا نضع وطننا وشعبنا ومبادئنا على رؤوسنا لنقدمها قرباناً لهم ". ، والمرجو من المشرفين على وسائل الإعلام مزيد التوجه نحو تفعيل عالمية القضية الحسينية وإبراز حقيقة مسيرة الأربعين المليونية للعالم وإنها ليست مجرد مهرجان شعبي عام كما قد يبدو للبعض منهم بل هو مسيرة أصحاب مبادئ إنسانية يريدون الحفاظ عليها امام التحديات والصعوبات المحيطة بهم ويرومون إظهارها وإبرازها للعالم ليتنبه الى أهمية تجسيد هذه المبادئ في حياة الإنسان بصورة عامة .

ـــ          في الوقت الذي نثمن عالياً ونشكر باعتزاز بالغ جهود الإخوة اصحاب مواكب العزاء والخدمة فإننا نأمل ان نجد منهم في الأعوام القادمة مزيد اهتمام بالجانب التثقيفي وتوفير فرص مناسبة في خيمهم لتعريف الزائرين بمحاسن كلمات أهل البيت عليهم السلام والترويج لأخلاقهم، فإن إحياء أمرهم الذي حثوا على الاهتمام به كثيراً يتمثل في الجانب الأساس منه في التعريف بنهجهم وبث تراثهم ليكون تذكرة متواصلة للمؤمنين بهذا النهج الإسلامي الأصيل ، كما ان المأمول من رعاة هذه المواكب وأصحابها الحفاظ على المنافع العامة للناس في أماكن نصب سرادقهم وخيمهم وعدم مزاحمة المستطرقين مهما أمكن ورعاية عدم تضرر الأرصفة والشوارع والأماكن العامة والأشجار والحدائق والقيام بتنظيف أماكن العزاء فان كمال خدمتهم للحسين عليه السلام وزواره الكرام يتجلى في رعاية ذلك كله .

ـــ          تتزامن مسيرة الأربعين هذا العام مع توالي الانتصارات الرائعة التي أحرزها مقاتلونا الأبطال لتحرير المزيد من القرى والأراضي من براثن عصابات داعش الإرهابية ، فإلى هؤلاء الصفوة من الرجال الأفذاذ في القوات المسلحة بجميع صنوفها وللمتطوعين الميامين ورجال العشائر الغيارى ومقاتلي قوات البيشمركة الأبطال نتوجه بوافر السلام وبالغ الاحترام وخالص الدعاء ونقول لهم : " إلى الأمام يا فخرنا وعزنا فما هي إلا خطوات قليلة وبشائر النصر النهائي ستزفونها الى شعبكم.. الى آبائكم وأمهاتكم وأولادكم لتسطروا بتضحياتكم هذه صفحات بيضاء خالدة في تاريخ العراق " .

ولا ننسى ايضاً ان نوجه شكرنا لمن اصطنع عارفة حفظ الأمن والخدمات لزوار الإمام الحسين عليه السلام في أربعينيته من قواتنا الأمنية الباسلة ودوائر الدولة الخدمية ومواكب العزاء والخدمة ... سائلين الله تعالى لهم حسن القبول والإنابة الى الله تعالى بالمغفرة والرحمة ، إنه سميع مجيب .

 

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

gate.attachment